ولم يبين هنا الوجه الموجب لذلك ولكنه بينه في سورة الطلاق بقوله تعالى (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) والمراد بتعاسرهم: امتناع الرجل من دفع ما تطلبه المرأة، وامتناع المرأة من قبول الإرضاع بما يبذله الرجل ويرضى به.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال:(وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم) خيفة الضيعة على الصبي (فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف) قال: حساب ما أرضع به الصبي.
قوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف)
قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن كل متوفي عنها تعتد بأربعة أشهر وعشر، ولكنه بين في موضع آخر أن محل ذلك ما لم تكن حاملا، فإن كانت حاملا كانت عدتها وضع حملها، وذلك في قوله (وأُلات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) ويزيده إيضاحاً ما ثبت في الحديث المتفق عليه من إذن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسبيعة الأسلمية في الزواج بوضع حملها بعد وفاة زوجها بأيام، وكون عدة الحامل المتوفى عنها بوضع حملها هو الحق، كما ثبت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلافا لمن قال: تعتد بأقصى الأجلين. ا. هـ.
روى مالك: عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، أن الفريعة بنت مالك بن سنان، وهي أخت أبي سعيد الخدري، أخبرتها: أنها جاءت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة. فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا. حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه. قالت: فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة. فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم" قالت: فانصرفت. حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو أمر بي فنوديت له فقال:"كيف قلت"؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي. فقال:"امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله".