للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نَزَلَ بِكُمْ بَلَاءٌ، أَوْ كَمَا قَالَ، ثُمَّ سَعَى الشَّيْخُ سَعْدٌ إِلَى الجُمُعَةِ وَمَا عِنْدَهُ خَبَرٌ بِهَذَا المَنَامِ، فَانْعَكَفَ النَّاسُ بِهِ يَتَبَرَّكُوْنَ بِهِ، وَازْدَحَمُوا، فَرَمَوْهُ مَرَّاتٍ، وَكَأَنَّ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي قُلُوْبِ النَّاسِ؟ وَهُوَ يَقُوْلُ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الفِتْنَةِ أَيْشٍ بِي؟ أَيْشٍ بِالنَّاسِ؟ حَتَّى ضُرِبَ النَّاسُ عَنْهُ وَخَلُصَ مِنْهُمْ.

وَقَالَ القَادِسِيُّ: هُوَ أَحَدُ الزُّهَّادِ، الأَبْدَالُ الأَوْتَادُ، وَمَنْ تُشَدُّ إِلَيْهِ الرِّحَالُ، وَمَنْ كَانَ للهِ عَلَيْهِ إِقْبَالٌ، الصَّائِمُ فِي النَّهَارِ، القَائِمُ فِي الظَّلَامِ. قَدِمَ "بَغْدَادَ" وَسَكَنَ بِرِبَاطِ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، وَمَا كَانَ يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا، وَلَا يَغْشَى بَابَ أَحَدٍ مِنَ السَّلَاطِينِ، كَانَ يُنْفَذُ لَه فِي كُلِّ عَامٍ شَيْءٌ مِنْ مُلْكٍ لَهُ بِـ "مِصْرَ" يَكْفِيْهِ طُوْلَ سَنَتِهِ. حَكَى لِي وَالِدِي، قَالَ: كُنْتُ أَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ كَثِيْرًا، فَأَتَيْتُهُ يَوْمًا، فَهَجَسَ فِي نَفْسِي أنَّ لِي مُدَّة أَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ، وَمَا حَلَفَ عَلَيَّ قَطُّ، وَلَا قَدَّمَ لِي شَيْئًا، فَمَا اسْتَتْمَمْتُ كَلَامِي حَتَّى قَالَ لِي: أَيْ أَحْمَدُ، وَاللهِ مَا أَرْضَى لَكَ طَعَامِي، لأَنَّهُ طَعَامُ شَقًى، قَالَ: وَأَخَذَنِي مِنَ الوَجْدِ شَيءٌ عَظِيمٌ، ثُمَّ دَخَلَ لِيُخْرِجَ لِي مِنَ الزَّادِ، فَقُلْتُ: لَوْ أَخْرَجَ إِلَيَّ رَغِيْفَ فَضْلَةٍ، لأَنْتَغِضَ (١) بِهِ لأَقُوْمَ، فَقَالَ عَجِلًا مِنْ دَاخِلِ البَيْتِ: أَيْ شَيْخُ أَحْمَدُ، بَلْ رَغِيْفَانِ، قَالَ: فَزَادَ تَحَيُّرِي وَدَهْشَتِي، وَكَانَ الشَّيْخُ سَعْدٌ كَثِيْرَ البُكَاءِ وَالخُشُوْعِ.

قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ عَبْدًا، صَالِحًا، مَشْهُوْرًا بِالعِبَادَةِ، وَالمُجَاهَدَةِ


(١) يَجُوْزُ أَنْ تَكُوْنَ بِالعَيْنِ المُهْمَلَةِ، وَالنَّعْضُ: التَّحْرِيْكُ، قَالَ تَعَالَى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} [الإسراء، الآية: ٥١]، وَيَجُوْزُ أَنْ تَكُوْنَ بِالغَيْنِ المُعْجَمَةِ وَيَكُوْنَ المَعْنَى: أَصَبْتُ مِنْهُ شَيْئًا.