نَصَبُوا لِلشَّيْخِ كُرْسِيًّا إِلَى جَانِبِهِ، فَصَعَدَ عَلَيْهِ، وَحَمَدَ اللهَ تَعَالَى وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا وَلَدِي بَلَغَ مِنَ العُمُرِ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ فِيْهَا قَلَمٌ إلَّا بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، بَقِيَ لَهُ ثَلَاثُ سِنِيْنَ، نِصْفُهَا نَوْمٌ، بَقِيَ عَلَيْهِ سَنَةٌ وَنصْفٌ، قَدْ أَسَاءَ فِيْهَا إِلِيَّ وَإِلَيْكَ، فَأَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَيَّ فَقَدْ وَهَبْتُهَا لَهُ، بَقِيَ الَّذِي لَكَ فَهَبْهُ لِي، فَصَاحَ النَّاسُ بِالبُكَاءِ، وَنَزَلَ فَصَلَّى عَلَيْهِ. قَالَ: وَكَانَ زَيْنُ الدِّيْنِ كَرِيْمًا، وَلَهُ سُمَاطٌ يُؤكَلُ عِنْدَهُ، وَتَوْسِعَةٌ في النَّفَقَةِ.
وَقَالَ أَبُو (١) المُظَفَّرِ سِبْطُ ابنِ الجَوْزِيِّ: كَانَ ابنُ نُجَيَّةَ قَدِ اقْتَنَى أَمْوَالًا عَظِيْمَةً، وَتنعَّمَ تنعُّمًا زَائِدًا، بِحَيْثُ إِنَّهُ كَانَ فِي دَارِهِ عِشْرُوْنَ جَارِيَةً لِلْفِرَاشِ، كُلُّ جَارِيَةٍ تُسَاوِي أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَأَمَّا الأطْعِمَةُ فَكَانَ يُعْمَلُ فِي دَارِهِ مَا لَا يُعْمَلُ فِي دُوْرِ المُلُوْكِ، وَتُعْطِيْهِ المُلُوْكُ وَالخُلَفَاءُ أَمْوَالًا عَظِيْمَةً كَثيْرَةً. قَالَ: وَمَعَ هَذَا مَاتَ فَقِيْرًا، كَفَّنَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ. والَّذِي ذَكَرَهُ نَاصِحُ الدِّيْنِ بنُ الحَنْبَلِيِّ: أَنَّ ابنَ نَجَا ضَاقَ صَدْرُهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ، وَأَنَّ المَلِكَ العَزِيْزَ عُثْمَانَ لَمَّا عَرَفَ ذلِكَ أَعْطَاهُ مَا يَزِيْدُ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافِ دِيْنَارٍ مِصْرِيَّةٍ. قَالَ: وَقَالَ لِي: مَا احْتَجْتُ فِي عُمُرِيْ إلَّا مَرَّتَيْنِ.
قَالَ نَاصِحُ الدِّيْنِ: قَالَ لِي وَالِدِي: زَيْنُ الدِّيْنِ سَعِدَ بِدُعَاءِ وَالِدَتِهِ، كَانَتْ صَالِحَةً حَافِظَةً، تَعْرِفُ التَّفْسِيْرَ. قَالَ زَيْنُ الدِّيْنِ: كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ خَالِي التَّفْسِيْرَ، ثُمَّ أَجِيْءُ إِلَيْهَا، فَتَقُوْلُ: أَيْشٍ فَسَّرَ أَخِي اليَوْمَ؟ فَأَقُوْلُ: سُوْرَةُ كَذَا وَكَذَا، فَتَقُوْلُ: ذَكَرَ قَوْلَ فُلَانٍ، وَذَكَرَ الشَّيْءَ الفُلَانِيَّ؟ فَأَقُوْلُ: لَا، فَتَقُوْلُ:
(١) في (ط): "ابن".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute