للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السَّحَرِ. وَسَمِعْتُ الحَافِظَ يَقُوْلُ: أَضَافَنِي رَجُلٌ بِـ"أَصْبَهَانَ"، فَلَمَّا قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ لَمْ يُصَلِّ، فَقِيْلَ: هُوَ شَمْسِيٌّ -يَعْنِي يَعْبُدُ الشَّمْسَ- فَضَاقَ صَدْرِي، ثُمَّ قُمْتُ بِاللَّيْلِ أُصَلِّي وَالشَّمْسِيُّ يَسْتَمِعُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ جَاءَ إِلَيَّ الَّذِي أَضَافنِي وَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسِيَّ يُرِيْدُ أَنْ يُسْلِم، فَمَضَيْتُ إِلَيْهِ فَأَسْلَمَ، وَقالَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ: لَمَا سَمِعْتُكَ تَقْرَأَ القُرْآنَ وَقَعَ الإسْلَامُ فِي قَلْبِي. قَالَ: وَكَانَ الحَافِظُ لَا يَرَى مُنْكَرًا إلَّا غَيَّرَهُ بِيَدِهِ أَوْ لِسَانِهِ، وَكَانَ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللّه لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ مَرَّةً يُهْرِيْقُ خَمْرًا، فَجَبَذَ صَاحِبَهُ السَّيْفَ، فَلَمْ يَخَفْ مِنْ ذلِكَ، وَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ، وَكَانَ -رَحِمَهُ اللّهُ- قوِيًّا فِي بَدَنِهِ وَفِي أُمْرِ الله، وَكَثيْرًا مَا كَانَ بِـ"دِمَشْقَ" يُنْكِرِ المُنْكَرَ، وَيَكْسُرُ الطَّنَابِيْرَ (١) وَالشَّبَّابَاتِ.

وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بنَ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الطَّحَّانَ (٢)، قَالَ: كَانَ بَعْضُ أَوْلَادِ صَلَاحِ الدِّيْنِ قَدْ عُمِلَتْ لَهُمْ طَنَابِيْرُ، وَحُمِلَتْ إِلَيْهِمْ، وَكَانُوا فِي بَعْضِ البَسَاتِيْنِ يَشْرَبُوْنَ، فَلَقِيَ الحَافِظ الطَّنَابِيْرَ تُحْمَلُ إِلَيْهِمْ، فَكَسَرَهَا وَدَخَلَ المَدِيْنَةِ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهَا لَحِقَهُ قَوْمٌ كَثيْرٌ بِعُصيٍّ، وَمَعَهُ رَجُلٌ، فَلَحِقُوا صَاحِبَهُ، وَأَسرَعَ الحَافِظُ، فَقَالَ لَهُمُ الرَّجُلُ أَنَا مَا كَسَرْتُ شَيْئًا، هَذَا الَّذِي كَسَرَ، قَالَ: فَإِذَا رَجُلٌ يَرْكُضُ فَرَسًا، فَتَرَجَّلَ عَنِ الفَرَسِ، وَجَاءَ إِلَيَّ وَقَبَّلَ يَدَيِ، وَقَالَ: يَا شَيْخُ، الصِّبْيَانُ مَا عَرَفُوْكَ.


(١) طَنَابِيْرُ: جَمْعُ الطُّنْبُوْرِ بِالضَّمِّ كَعُصْفُورٍ، وَالطِّنْبَارُ بِالكَسْرِ. فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. يُرَاجَعُ: شَفَاءُ الغَلِيْلِ (١٧٥)، وَقَصْدُ السَّبِيلِ (٢/ ٢٦٥)، وَالتَّاجُ (طنبر).
(٢) لَمْ أَقِفْ عَلَى أَخْبَارِهِ الآنَ.