للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قُلْتُ: أَمَّا كَوْنُ الفُلُوْسِ أَثْمَانًا عِنْدَ نِفَاقِهَا: فَهُوَ قَوْلُ كَثِيْرٍ مِنَ الأَصْحَابِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَبُو الخَطَّابِ فِي "خِلَافِهِ الصَّغِيْرِ" وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا أَثْمَانًا بِكُلِّ حَالٍ، كَصَاحِبِ "المُبْهِجِ" (١) وَخَالَفَ فِي ذلِكَ ابْنُ عَقِيْلٍ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ "فُصُوْلِهِ" وَنَصَرَ أَنَّهَا عُرُوْضٌ بِكُلِّ حَالٍ، كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الطَّالَبَانِيِّ. وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ ابْنُ الطَّالَبَانِيِّ عَنْ أَبِي الخَطَّابِ فِي "هِدَايَتِهِ" أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الأَثْمَانَ هِي الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ خَاصَّةً - فَهَذَا ذَكَرَهُ تَفْرِيْعًا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالثَةِ فِي عِلَّةِ رِبَا الفَضْلِ، وَأَمَّا عَلَى المَذْهَبِ المَشْهُوْرِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ النَّقْدَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ المَوْزُوْنَاتِ، وَالعِلَّةُ فِيْهَا الوَزْنُ، كَمَا صَرَّحَ بِذلِكَ غَيْرُهُ منَ الأَصْحَابِ، بَلْ كَلَامُ أَبِي الخَطَّابِ فِي "خِلَافِهِ الصَّغِيْرِ" يَقْتَضِي أَنَّ العِلَّةَ فِي النَّقْدَيْنِ الوَزْنُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَأَنَّ الخِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي عِلَّةِ الأَصْنَافِ الأَرْبَعَةِ البَوَاقِي، وَهكَذَا قَالَ القَاضِيْ فِي "خِلَافِهِ الكَبِيْرِ" وَابْنُهُ أَبُو الحُسَيْنِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَيَةِ ابْنِ القَاسِمِ (٢) وَسِنْدِي الخَوَاتِيْمِيِّ (٣) "رِطْلُ حَدِيْدٍ بِرِطْلَيْنِ حَدِيْدٍ لَا يَجُوْزُ، قِيَاسًا عَلَى الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ" فَنَصَّ عَلَى أَنَّ عِلَّتَهُمَا الوَزْنُ.

وَبِالجُمْلَةِ: فَالمَذْهَبُ المَشْهُوْرُ أَنَّ عِلَّةَ رِبَا الفَضْلِ فِي النَّقْدَيْنِ الوَزْنُ، وَعِلَّةُ الرِّبَا فِي الأَرْبَعَةِ البَوَاقِي الكَيْلُ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَقِيْلٍ، وَلَمْ يَنْفَرِدِ ابْنُ عَقِيْلٍ بِهَذَا كَمَا ذَكَرَ، بَلْ كُلُّ الأَصْحَابِ يُوَافِقُوْنَهُ على هَذَا النَّقْلِ، وَإِنْ


(١) هُوَ أَبُو الفَرَج عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ الشِّيْرَازِيُّ (ت: ٤٨٦ هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.
(٢) طبقات الحنابلة (١/ ١٣٥).
(٣) طبقات الحنابلة (١/ ٤٥٥).