للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الغَائِبِ لَا تُسْمَعُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَدَعْوَى المَدِيْنِ الإِبْرَاءُ والاِسْتِيْفَاءُ هَهُنَا دَعْوَى بِلَا بَيِّنَةٍ عَلَى غَائِبٍ، فَكَيْفَ تُسْمَعُ؟ ثُمَّ أَرْسَلَ هَذَا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ المُوَفَّقِ.

فَأَجَابَ: أَمَّا المَسْأَلَةُ الَّتِي فِي الوَكَالَةِ: فَإِنَّمَا أَفْتَيْتُ فِيْهَا بِاجْتِهَادِي، بِنَاءً علَى مَا ذَكَرْتُ مِنَ التَّعْلِيْلِ، فَإِذَا ظَهَرَ قَوْلُ الأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ بِخِلَافَةِ فَقَوْلُهُمْ أَوْلَى. وَالرُّجُوْعُ إِلَى قَوْلِهِمْ مُتَعَيِّنٌ، لكِنْ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُخْتَلَفٌ فِيْهَا، وَأَنَّهَا مِمَّا يَسُوْغُ فِيْهِ الِاجْتِهَادُ، وَأَمَّا قَوْلِي وَقَوْلُ الفُقَهَاءِ: لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى لَا يُفِيْدُ شَيْئًا؛ إِذْ مَقْصُوْدُهَا القَضَاء علَى المُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِذَا خَلَتْ عَنْ بَيِّنَةً، وَلَمْ يَكُنِ المُدَّعَى عَلَيهِ حَاضِرًا، لَمْ تَفِدْ الدَّعْوَى شَيْئًا؛ إِذْ لَا يُمْكِنُ القَضَاءَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ (١)، وَلَا إِقْرَارٍ، وَلَا نُكُوْلٍ وَلَا رَدِّ يَمِيْنٍ، وَالدَّعْوَى هَهُنَا تُرَادُ لِلْمَنْعِ مِنَ القَضَاءِ عَلَيْهِ، وَذلِكَ مُمْكِنٌ مَعَ الغَيْبَةِ، وَسَمَاعِ الدَّعْوَى مُفِيْدٌ.

وَمِنْ مَبَاحِثِهِ الحَسَنَةِ: نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ بَهَاءِ الدِّيْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَقْدِسِيِّ: سُئِلَ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّيْنِ عَنْ قَوْلِ الخِرَقِيِّ: وَإِنْ أَقَرَّ المَحْجُوْرُ عَلَيْهِ بِما يُوْجِبُ حَدًّا، أَوْ قِصَاصًا، أَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ لَزَمَهُ ذلِكَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي حَالِ حَجْرِهِ. مَا الفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ: الفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ إِقْرَارٌ بِالمَالِ، وَالمَالُ مَحْجُوْرٌ عَلَيْهِ فِيهِ، فَلَوْ قَبِلْنَا إِقْرَارَهُ فِي المَالِ أَدَّى ذلِكَ إِلَى فَوَاتِ مَصْلَحَةِ الحَجْرِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُقِرُّ لِهَذَا بِدَيْنِ؛ وَلِهَذَا فَيَفُوْتُ عَلَيْهِ مَالُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ الإِقْرَاءُ فِيْهِ، وَأَمَّا الإِقْرَارُ بِالحَدِّ وَالقِصَاصِ أَوْ


(١) في (ط): "بنيه" خَطَأُ طِبَاعَةٍ.