للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي آخِرِ عُمُرِهِ بِحُضُوْرِي عِنْدَهُ فِي "مَدْرَسَةِ بَنِي العَطَّارِ" الَّتِي عُمِرَتْ لأَجْلِهِ. فَلَمَّا نُهِبَتْ "حَرَّانَ" سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِيْنَ عُوْقِبَ فِي مَسْجِدِهِ، حَتَّى أُخِذَتْ وَدِيْعَةٌ كَانَتْ عِنْدَهُ مَعَ مَا أُخِذَ لَهُ.

وَتُوفِّيَ بَعْدَ ذلِكَ بِقَلِيْلٍ، حَدَّثَ وَأَجَازَ لأَبِي نَصْرٍ الشِّيرَازِيِّ المِزِّيِّ (١). قَالَ المُنْذِرِيُّ: تُوُفِّيَ فِي الحَادِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِيْنَ وَسِتِّمَائَةَ بِـ "حَرَّانَ" رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

وَسَبَقَ فِي تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ مُوَفَّقِ الدِّينِ المَقْدِسِيِّ تَرَاجُعُهُمَا فِي مَسْأَلَةٍ فِي الوَكَالَةِ، وَقَدْ تَنَازَعَ هُوَ والشَّيْخُ مَجْدُ الدِّيْنِ بنِ تَيْمِيَّةَ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ مَا إِذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا، فَدَخَلَ أَوَّلَ مُدَّةِ الإِجَارَةِ، وَطَالَبَ المُسْتَأْجِرُ المُؤَجِّرَ بِتَسْلِيْمِ العَيْنِ المُؤَجَّرَةِ بَعْدَ دُخُوْلِ المُدَّةِ، فَقَالَ المُؤَجِّرُ: لَا، أُسَلِّمُهَا إِلَّا فِي غَدٍ، فَلَمْ يَصْبِرِ المُسْتَأْجِرُ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِفَسْحِ العَقْدِ لِذلِكَ. فَأَفْتَى النَّاصِحُ أَنَّ المُسْتَأْجِرَ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الفَسْخِ بِمُجَرَّدِ امْتِنَاعِ المُؤَجِّرِ مِنْ التَّسْلِيْمِ، وَتسْقُطُ الأُجْرَةُ مِنْ ذِمَّتِهِ. وَأَفْتَى الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّيْنِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَسْخُهُ حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةٌ يَتَمَكَّنُ المُؤَجِّرُ مِنَ التَّحْوِيْلِ فِيْهَا؛ لأَنَّ التَّسْلِيْمَ يَجِبُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ العَادَةُ، كَالتَّسْلِيْمِ فِي البَيْعِ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُوْنَ فِي المَذْهَبِ فِيْها نَقْلٌ خَاصٌّ. فَكَتَبَ النَّاصِحُ وَرَقَةً، وَتَمَسَّكَ مِنْ كَلَامِ الأَصْحَابِ بِعُمُومَاتٍ بَارِدَةٍ، وَعَضَدَهَا بِمَبَاحِثَ جَامِدَةٍ، وَما أَفْتَى بِهِ أَبُو البَرَكَاتِ أَفْقَهَ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا ذَكَرَهُ الأَصْحَابُ فِي تَسْلِيْمِ الأَعْيَانِ المَبِيْعَةِ، وَفِي تَسْلِيْمِ المَرْأَةِ


(١) قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "رَأَيْتُ شَيْخَنَا ابْنَ تَيْمِيَّةَ يُبَالِغُ فِي تَعْظِيْمِ شَأْنِهِ ومَعْرِفَتِهِ بِالمَذْهَبِ".