للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ ابنُ السَّاعِي: كَانَ شَيْخًا فَاضِلًا، حَسَنَ التِّلَاوَةِ لِلقُرْآنِ، مُجِيْدًا لأَدَائِهِ، عَالِمًا بُوُجُوْهِ القِرَاءَاتِ وَطُرُقِهَا، وَتَعْلِيْلِهَا وَإِعْرَابِهَا، يُشَارُ إِلَيْهِ بِمعْرِفَةِ عُلُوْمِ القُرْآنِ، بَصِيْرًا بالنَّحْوِ، وَاللُّغَةِ، وَالعَرَبِيَّةِ. سَمِعَ شَيْئًا مِنَ الحَدِيْثِ، وَكَانَ يَؤُمُّ بِالخَلِيْفَةِ الظَّاهِرِ، وَرَتَّبَهُ إِمَامًا بِـ "بَابِ بَدْرٍ" فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيْحِ، وَأُذِنَ لِلنَّاسِ فِي الدُّخُوْلِ للصَّلَاةِ، وَأَمَّ بِـ "مَسْجِدِ ابنِ حَمْدِي" وَغَيْرِهِ، وَرَتَّبَهُ الظَّاهِرُ مُشْرِفًا عَلَى دِيْوَانِ التَّرِكَاتِ. وَقَرَأَ عَلَيْهِ الخَلِيْفَةُ الظَّاهِرُ، وَالوَزِيْرُ ابنُ النَّاقِدِ (١)، فَلَمَّا وَلِيَ الظَّاهِرُ الخِلَافَةَ، أَكْرَمَهُ وَأَجَلَّهُ، وَأَعْطَاهُ بَغْلَةَ أَبِيْهِ النَّاصِرِ فَرَكِبَهَا، وَلَمَّا وَلِيَ ابنُ النَّاقِدُ الوِزَارَةَ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَنَهَضَ لَهُ، وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ، وَقَالَ: هَذَا شَيْخِي، قَرَأَتُ القُرْآنَ عَلَيْهِ. وَكَانَ يَدْخُلُ إِلَى المُسْتَنْصِرِ، فَيُقْرِئَهُ القُرْآنَ، وَكَانَ لَا يُقَبِّلُ الأَرْضَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذلِكَ، فَقَالَ: لَا يَنْبغِي ذلِكَ إِلَّا للهِ تَعَالَى (٢)، فَحُجِبَ عَنِ الدُّخُوْلِ إِلَيْهِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: قَرَأَ عَلَيَّ القُرْآنَ أَرْبَابَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ إِسْحَقُ


(١) أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الأَزْهَرِ بنِ النَّاقِدِ، نَصِيْرُ الدِّيْنِ الوَزِيْرُ (ت: ٦٤٢ هـ)، بَقِيَ فِي وِزَارَتِهِ عَلَى جَلَالَتِهِ وَمَهَابَتِهِ حَتَّى عَجَزَ عَنِ القِيَامِ وَالحَرَكَةِ حَتَّى تُوُفِّيَ. وَمِنْ مَنَاقِبِهِ أَنَّهُ وُجِدَ فِي خِزَانَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ صُنْدُوْقٌ مَمْلُوْءٌ ذَهَبًا وَرُقْعَةٌ مَكْتُوْبٌ فِيْهَا بِخَطِّهِ: "هَذَا مِنْ فَوَاضِلِ أَنْعُمِ مَوْلَانَا وَصَدَقَاتِهِ، وَهُوَ مِنْ اسْتِحْقَاقُ بَيْتِ المَالِ" فَأُمِرَ بِحَمْلِهِ إِلَى دَارِ التَّشْرِيْفَاتِ فَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ بِهِ مَائَةُ أَلْفِ دِيْنَارٍ. أَخْبَارُهُ فِي: مِرآةِ الزَّمَانِ (٨/ ٧٤٧)، وَعُقُوْدِ الجُمَانِ لابنِ الشَّعَّارِ (١/ ورقة: ١٥٠)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (٢٣/ ١٠٨)، وَالوَافِي بِالوَفَيَاتِ (٣/ ٢٥٤)، وَالعَسْجَدِ المَسْبُوْكِ (٥٢٧) … وَغَيْرِهَا.
(٢) يَعْنِي السُّجُوْدَ لا تَقْبِيْلَ الأَرْضِ.