لَا يَتَنَاوَلُ عَلَى ذلِكَ مَعْلُوْمًا. وَكَانَتْ لَهُ أَوْرَادٌ صَالِحَةٌ مِنْ صَلَاةٍ وَذِكْرٍ، وَلَهُ إِيْثَارٌ كَثِيْرٌ وَبِرٌّ، يُفْطِرُ عِنْدَهُ الفُقَرَاءُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي، وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ كُلِّهِ. وَكَانَ حَسَنَ الأَخْلَاقِ. ذَكَرَ ذلِكَ بِمَعْنَاهُ الذَّهَبِيُّ، وَقَالَ: كَانَ مَعْرُوْفًا بِالذَّكَاءِ، وَصِحَّةِ الذِّهْنِ، وَجَوْدَةِ المُنَاظَرَةِ، وَطُوْلِ النَّفَسِ فِي البَحْثِ (١).
وَقَالَ البِرْزَالِيُّ: كَانَ عَالِمًا بِفُنُوْنٍ شَتَّى مِنَ الفِقْهِ، وَالأصْلَيْنِ، وَالنَّحْوِ. وَلَهُ يَدٌ فِي التَّفْسِيْرِ، وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ مَذْهَبِهِ، وَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ، وَشَرَحَ "المُقْنِعَ" فِي الفِقْهِ، و"تَعَالِيْقَ فِي التَّفْسِيْرِ"، وَاجْتَمَعَ لَهُ العِلْمُ، وَالدِّيْنُ، وَالمَالُ، وَالجَاهُ، وَحُسْنُ الهَيْئَةِ، وَكَانَ صَحِيْحَ الذِّهْنِ، جَيِّدَ المُنَاظَرَةِ، صَبُوْرًا فِيْهَا، وَلَهُ بِرٌّ وَصَدَقَةٌ، وَكَانَ مُلَازِمًا لِلإقْرَاءِ بِجَامِعِ "دِمَشْقَ" مِنْ غَيْرِ مَعْلُوْمٍ. وَسُئِلَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّيْنِ بنُ مَالِكٍ أَنْ يَشْرَحَ "أَلْفِيَّتَهُ" فِي النَّحْوِ، فَقَالَ: ابنُ المُنَجَّى يَشْرَحُهَا لَكُمْ.
قُلْتُ: دَرَّسَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّيْنِ بـ "الحَنْبَلِيَّةِ" وَ"الصَّدْرِيَّةِ". وَأَخَذَ عَنْهُ الفِقْهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّيْنِ بنُ تَيْمِيَّةَ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ الفَخْرِ البَعْلِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الزَّرِيْرَانِيُّ. وَحَدَّثَ، وَسَمِعَ مِنْهُ ابنُ العَطَّارِ، وَالمِزِّيُّ، وَالبِرْزَالِيُّ،
(١) زَادَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي "تَارِيْخِ الإِسْلَامِ": "وَكَانَ مَعَ ذلِكَ حَسَنَ الأَخْلَاقِ، لَطِيْفًا مَعَ المُشْتَغِلِيْنَ، مَلِيْحَ المُجَالَسَةِ، سَمِعَ "صَحِيْحَ مُسْلِمٍ" عَلَى العَلَمِ السَّخَاوِيِّ وَمَنْ حَضَرَ مَعَهُ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي نُسْخَةِ ابْنِ عَسَاكِرٍ. (قُلْتُ): أَجَازَ لِي مَرْوِيَّاتَهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَقَصَدْتُهُ لأَسْمَعَ مِنْهُ فَقَالَ لِي: تَعَالَ وَقْتًا آخَرَ، فَاشْتَغَلْتُ، وَلَمْ يُقَدَّرْ لِيَ السَّمَاعَ مِنْهُ، وَكَانَ مَلِيْحَ الشَّكْلِ، حَسَنَ البَزَّةِ، كَثِيْرَ التَّطَهُّرِ وَالنَّظَافَةِ، وَكَانَ غَالِبُ أَوْقَاتِهِ فِي الجَامِعِ، وَفِي بَيْتِ المَأْذَنَةِ، وَكَانَ يَجْلِسُ لِلاِشْتِغَالِ إِلَى العَمُوْدِ الثَّانِي الغَرْبِيِّ الَّذِي تَحْتَ النَّسْرِ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute