للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= حُمَيْدٍ النَّجْدِيُّ فِي هَامِشِ نُسْخَةِ (أ) تُتِمَّة كَلامُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فَقَالَ: "كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي التَّفْسِيْرِ؛ فَيَحْضُرُ مَجْلِسَهُ الجَمُّ الغَفِيْرِ، وَيَرِدُوْنَ مِنْ بَحْرِ عِلْمِهِ العذْبِ النَّمِيْرِ، وَيَرْتَعُوْنَ مِنْ رَبِيْعِ فَضْلِهِ فِي رَوْضَةٍ وَغَدِيْرٍ، إِلَى أَنْ دَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ دَاءُ الحَسَدِ، وَأَكَبَّ أَهْلُ النَّظَرِ مِنْهُمْ علَى مَا يُنْتَقَدُ عَلَيْهِ فِي حَنْبَلِيَّتِهِ مِنْ أُمُورِ المُعْتَقَدِ، فَحَفِظُوا عَنْهُ فِي ذلِكَ كَلَامًا؛ أَوْسَعُوْهُ بِسَبَبِهِ مَلَامًا، وَفَوَّقُوا لِتَبْدِيْعِهِ سِهَامًا، وَزَعَمُوا أَنَّهُ خَالَفَ طَرِيْقَتَهُمْ، وَفَرَّقَ فَرِيْقَهُمْ، فَنَازَعَهُمْ وَنَازَعُوْهُ، وَقَاطِعَ بَعْضَهُمْ وَقَاطَعُوْهُ، ثُمَّ نَازَعَ طَائِفَةٌ أُخْرَى يَنْتَسِبُونَ مِنَ الفَقْرِ إِلَى طَرِيْقَةٍ، يَزْعمُوْنَ أنَّهُمْ علَى أَدَقِّ بَاطِنٍ منْهَا وَأَجْلَى حَقِيْقَةٍ، فَكَشَفَ تِلْكَ الطَّرَائِقِ، وَذَكَرَ لَهَا - عَلَى مَا زَعَمَ - بَوَائِقَ، فَآضَتْ إِلَى الطَّائِفَةِ الأُوْلَى مِنْ مُنَازَعَتِهِ، وَاسْتَعَانَتْ بِذَوِي الضِّغْنِ عَلَيْهِ مِنْ مُقَاطَعَتِهِ، فَوَصَلُوا بِالأُمرَاءِ أَمْرَهُ، وَأَعْمَلَ كُلُّ مِنْهُمُ فِي كُفْرِهِ فِكْرَهُ، فَرَتَّبُوا مَحَاضِرَ، وَأَلَّبُوا الرُّوَيْبِضَةَ لِلْسَّعْيِ بِهَا بَيْنَ الأَكابِرِ، وَسَعَوَا فِي نَقْلِهِ إِلَى حَضْرَةِ المَمْلَكَةِ بِالدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ فَنُقِلَ، وَأُوْدِعَ السِّجْنَ سَاعَةَ حُضُوْرِهِ وَاعْتُقِلَ، وَعَقَدُوا لإِرَاقَةِ دَمِهِ مَجَالِسَ، وَحَشَدُوا لِذلِكَ قَوْمًا مِنْ عُمَّارِ الزَّوَايا وَسُكَّانِ المَدَارِسِ، مِنْ مُجَامِلٍ في المُنَازَعَةِ، مُخَاتِلٍ بِالمُخَادَعَةِ، وَمِنْ مُجَاهِرٍ بِالتَّكْفِيْرِ مُبَارِزٍ بالمُقَاطَعَةِ، يَسُوْمُوْنَهُ رَيْبَ المَنُوْنِ: {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (٦٩)} وَلَيْسَ المُجَاهِرُ بِكُفْرِهِ بِأَسْوَإِ حَالًا مِنَ المُخَاتِلِ، وَقَدْ دَبَّتْ إِلَيْهِ عَقَارِبُ مَكْرِهِ فَرَدَّ اللهُ كَيْدَ كُلٍّ فِي نَحْرِهِ، وَنَجَّاهُ عَلَى حَدِّ مَنِ اصْطَفَاهُ، وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، ثُمَّ لَمْ يَخْلُ بَعْدَ ذلِكَ مِنْ فِتْنَةٍ بَعْدَ فِتْنَةٍ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ طُوْلَ عُمُرِهِ مِنْ مِحْنَةٍ إِلَّا إِلَى مِحْنَةٍ، إِلَى أَنْ فَوَّضَ أَمْرُهُ لِبَعْضِ القُضَاةِ فَتَقَلَّدَ مَا تَقَلَّدَ مِنْ اعْتِقَالِهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِمَحْبَسِهِ ذلِكَ إِلَى حِيْنَ ذَهَابِهِ إِلَى رَبِّهِ تَعَالَى وَانْتِقَالِهِ، وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُوْرُ، وَهُوَ المُطَّلِعُ علَى خَائِنَةِ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُوْرِ.
وَكَانَ يَوْمُهُ مَشْهُوْدًا، ضَاقَتْ بِجِنَازَتِهِ الطَّرِيْقُ، وَانْتَابَهَا المُسْلِمُوْنَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيْقٍ، يَتَبَرَّكُوْنَ بِمَشْهَدِهِ يَوْمَ يَقُوْمُ الأَشْهَادُ، وَيَتَمَسَّكُوْنَ بِشَرْجَعِهِ حَتَّى كَسَرُوا تِلْكَ