إِنَّهُ أَقْرَأَ "المُقْنِعَ" مَائَةَ مَرَّةً. وَكَانَ شَيْخًا، صَالِحًا، مُلَازِمًا للتَّعْلِيْمِ وَالاشْتِغَالِ، وَجَوَابِ الطَّلَبَةِ، بِنَقْلٍ صَحِيْحٍ مُحَقَّقٍ. وَكانَ يُفْتِي، وَيَتَحَرَّى كَثِيْرًا. وَكَانَ عَدِيْمَ التَّكَلُّفِ، وَيَحْمِلُ حَاجَتَهُ بِنَفسِهِ، وَلَيْسَ لَهُ كَلَامٌ فِي غَيْرِ العِلْمِ، وَلَا يُخَالِطُ أَحَدًا، وَأَوْقاتُهُ مَحْفُوْظَةٌ. وَقَالَ: مَا وَقَعَ فِي قَلْبِي التَّرَفُّعَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ؛ فَإِنِّي خَبِيْرٌ بِنَفْسِي، وَلَسْتُ أَعْرِفُ أَحْوَالَ النَّاسِ. وَكَانَ يُلَازِمُ وَظَائِفَهُ، وَيُحَافِظُ عَلَيْها، لَا يَنْقَطِعُ يوْمَ بَطَالَةٍ وَلَا غَيْرَهَا، بِحَيْثُ ذَكَرَ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يَتَصَدَّى يَوْمَ العِيْدِ، فَإِنْ حَضَرَ أَحَدٌ أَقْرَأَهُ. وَأَكْثَرُ الفُقَهَاءِ الَّذِيْنِ تَنَبَّهُوا قَرَأُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ دَرَّسُوا فِي المَدَارِسِ، وَهُوَ مُعِيْدٌ عِنْدَهُمْ، يُلَازِمُ الحُضُوْرَ وَيُكْرِمُهُمْ، وَيُخَاطِبُهُمْ بِالمَشْيَخَةِ، رَحِمَهُ اللهُ.
قُلْتُ: وَكَانَ سَرِيْعَ الدَّمْعَةِ. وَسَمِعْتُ بَعْضَ شُيُوْخِنَا يَذْكُرُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَذْكُرُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي دَرْسِهِ إِلَّا وَدُمُوْعُهُ جَارِيَةٌ، وَلَاسِيَّمَا إِنْ ذَكَرَ شَيْئًا مِنَ الرَّقَائِقِ، أَوْ أَحَادِيْثِ الوَعِيْدِ، وَنَحْوِ ذلِكَ. وَقَدْ قَرَأَ عَلَيْهِ عَامَّةَ أَكَابِرِ شُيُوْخِنَا وَمَنْ قَبْلَهُمْ، حَتَّى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّيْنِ بنِ الزَّرِيْرَانِيِّ شَيْخِ العِرَاقِ. وَحَدَّثَ، فَسَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الذَّهَبِيُّ، وَغيْرُهُ.
وَتُوُفِّيَ لَيْلَةِ الأَحَدِ تَاسِعَ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسَبْعِمَائَةَ بِـ "المَدْرَسَةِ الجَوْزِيَّةِ" وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ "البَابِ الصَّغِيْرِ" رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَقَدْ رَأَيْتُ جُزْءًا فِيْهُ مَسْأَلَتَانِ - قِيْلَ: إِنَّهُمَا مِنْ كَلَامِهِ - إِحْدَاهُمَا: فِي طَلَاقِ الغَضْبَانِ، وأَنَّهُ لَا يَقَعُ. وَالثَّانِيَةُ: فِي مَسْأَلَةِ الظَّفَرِ (١)، وَنَصَرَ جَوَازَ الأَخْذِ
(١) فِي هَامِشِ نُسْخَةِ (أ) بِخَطِّ ابْنِ حُمَيْدٍ النَّجْدِيِّ: "أَيْ: إِذَا ظَفَرَ بِمَالٍ لِمَنْ جَحَدَ لَهُ مَالًا =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute