للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِمَا فِيْهِ مِنْ إِذْلَالِهِ لأَبِيْهِ، وَالمَطْلُوْبُ مُكَافَأَتُهُ بِالإِعْتَاقِ وَالإِطْلَاقِ، وَاغْتُفِرَ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ لَحْظَةً؛ لِمَا يَعْقُبُهُ مِنَ العِزِّ الدَّائِمِ، فَهَذِهِ عِلَّةُ انْقِطَاعِ الدَّوَامِ هُنَاكَ، وَهُوَ ضِدُّ مَا نَحْنُ فِيْهِ، فَإِن المَوْقُوْفَ مَوْضُوعٌ لِدَوَامِ الانْتِفَاعِ، وَلِهذَا لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي مَحَلٍّ يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ. وَأَمَّا الأُضْحِيَةُ فَمَنِ الَّذِي أَخْبَرَكَ أَنِّي أَنْصُرُ مَذْهَبَ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيْفَةَ، حَتَّى يَلْزَمُنِي إِبْدَالُهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا، عَلَى أَنَّهَا انْقَطَعَتْ لِجَوَازِ المُشَارَكَةِ بِالثُّلُثِ أَكْلًا لِلْمُضَحِّي، وَإِهْدَاءً لِثُلُثِهَا، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَهَهُنَا إِبْدَالُ قَلِيْلَةِ الانْتِفَاعِ بِأَنْفَعَ مِنْهَا لَا يَجُوْزُ، فَالأَمْرَانِ مُخْتَلِفَانِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

قُلْتُ: كَانَ المُخَرِّمِيُّ رَجَعَ مَعَهُ عَلَى وَجْهِ التَّنَزُّلِ إِلَى أَنَّ الوَقْفَ المُعَطَّلَ وَإِنْ صَحَّ ابْتِدَاؤُهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّةَ دَوَامِهِ، كَشِرَاءِ ذِيْ الرَّحِمِ. فَاسْتَطَالَ ابنُ عَقِيْلٍ عَلَيْهِ، وَقَالَ: المَقْصُوْدُ مِنْ شِرَاءِ ذِي الرَّحِمِ قَطْعُ الدَّوَامِ، بِخِلَافِ الوَقْفِ، وَلكِنْ لَا حَاجَةَ إِلَى مَا ذَكَرَهُ المُخَرِّمِيُّ هُنَا؛ فَإِنَّ التَّحْقِيْقَ فِي ذلِكَ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّ العَيْنَ المُعَطَّلَةَ إِنْ كَانَ يُمْكِنُ الانْتِفَاعَ بِهَا عَلى وَجْهٍ مَا صَحَّ وقْفُهَا ابْتِدَاءً وَدَوَامًا، لكِنْ فِي الدَّوَامِ تُبْدَلُ، وَإِنْ لَمْ تُبْدَلْ فِي الابْتِدَاءِ؛ لِمَا سَبَقَ مِن الفَرْقِ، وَفِي المَوْضِعَيْنِ الوَقْفُ صَحِيْحٌ، لكِنَّ جَوَازَ الإِبْدَالِ أَوْ وُجُوْبَهُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى صِحَّةِ الوَقْفِ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابنِ عَقِيْلٍ دَلِيْلًا عَلَى امْتِنَاعِهِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ العَيْنُ مَسْلُوْبَةَ النَّفْعِ بِالكُلِّيَّةِ فَهَذِهِ لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا ابْتِدَاءً وَلَا دَوَامًا، بَلْ تَخْرُجُ بِذلِكَ عَنِ الوَقْفِيَّةِ، وَإِنْ سُلِّمَ صِحَّةُ بَقَائِهَا عَلَى الوَقْفِيَّةِ فِي الدَّوَامِ - وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الأَصْحَابِ - فَلِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ فِي