وَتَحْتَهَا أَرْضٌ لِرَجُلٍ آخَرَ مَزْرُوْعَةٌ، انْقَطَعَتْ القِطْعَةُ فَسَقَطَتْ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي تَحْتَهَا فَسَتَرَتْهَا، وَصَارَتْ حَاضِنَةً لَهَا، مَانِعَةً لِصَاحِبَهَا مِنْ زِرَاعَتِهَا، وَالشَّجَرُ بحَالِهِ ثَابِتٌ فِي تِلْكَ القِطْعَةِ لَا يَسْتَضِرُّ صَاحِبُهَا، لكِنَّ صَاحِبَ الأَرْضِ الَّتِي تَحْتَهَا يَسْتَضِرُّ، مَا الحُكْمُ فِي ذلِكَ؟
الجَوَابُ - وَبِاللهِ التَّوْفِيْقُ -: أَنَّهُ يَحْتَمِلُ القِيْمَةَ؛ لأنَّهَا صَارَتْ كَالمُسْتَهْلَكَةِ فَهِيَ كَالَّلآلِئِ إِذَا ابْتَلَعَهَا عَبْدُهُ، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُ الجُنَيْدُ هَذَا الجَوَابَ إِلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَوَابُهُ بِنَفْسِهِ، وَفِيْمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ جِنَايَةَ العَبْدِ تُفَارِقُ بَقِيَّةِ جِنَايَاتِ الأَمْوَالِ؛ لأَنَّ العَبْدَ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ، فَلَا تَسْقُطُ جِنَايَاتُهُ (١) وَتَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْ ذلِكَ فَوَاتُ حَقِّ المَالِكِ، وَهَذَا بِخِلَافِ جِنَايَاتِ البَهَائِمِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَالِكُهَا إِلَّا أَنْ يُنْسَبَ إِلَى نَوْعٍ مِنْ تَفْرِيْطٍ فِي حِفْظِهَا، عَلَى مَا فِيْهِ مِنِ اخْتِلَافٍ وَتَفْصِيْلٍ، وَأَمَّا الجِنَايَاتُ الحَادِثَةُ مِنْ أَمْوَالِهِ الَّتِي لَا حَيَاةَ فِيْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيْهَا، إِلَّا أَنْ يُنْسَبَ إِلَى نَوْعِ تَفْرِيْطٍ، مِثْلَ مَنْ مَالَ حَائِطُهُ إِلَى جَارِهِ أَوْ إِلَى الطَّرِيْقِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ وَامْتَنَعَ مِنَ النَّقْضِ حَتَّى سَقَطَ فَأَتْلَفَ، فَفِي وُجُوْبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ خِلَافٌ مَشْهُوْرٌ، فَهَذِهِ الأَرْضُ السَّاقِطَةُ بِسَيْلٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى أَرْضِ الغَيْرِ تُشْبِهُ مَا تَلِفَ بِسُقُوْطِ الجِدَارِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: المُتْلَفُ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا فَاتَ وَلَمْ يُمْكِنْ إِعَادَتُهُ مِنْ مَالٍ وَنَفْسٍ، فَهَذَا الَّذِي تَكَلَّمَ الفُقَهَاءُ فِي ضَمَانِهِ عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ.
(١) في (ط): "جنايته".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute