عَلَيْهِ ثَلَاثِيْنَ سَنَةً، وَلَمْ أَسْتَفِدْ مِنْ أَحَدٍ كَاسْتِفَادَتِي مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ جَيِّدَ النَّقْلِ، صَحِيْحَ الضَّبْطِ، كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، لَهُ يَدٌ بَاسِطَةٌ فِي مَعْرِفَةِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَكَانَتْ أُصُوْلُهُ فِي غَايَةٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالإِتْقَانِ، وَكَانَ ثِقَةً نَبِيْلًا، حُجَّةً، حَسَنَ الطَّرِيْقَةِ، مُتَدَيِّنًا، فَقِيْرًا، مُتَعَفِّفًا، نَظِيْفًا، نَزِهًا، وَقَفَ كُتُبَهُ عَلَى أَصْحَابِ الحَدِيثِ.
رَأَيْتُ بِخَطِّهِ وَصِيَّةً لَهُ أَوْصَى بِهَا، ذَكَرَ فِيْهَا صِفَةَ مَا يُخَلِّفُهُ مِنَ التَّرِكَةِ، وَهُوَ ثِيَابُ بَدَنِهِ، وَكُلُّهَا خَلِقٌ مَغْسُوْلَةٌ، وَأَثَاثُ مَنْزِلِهِ - وَكَانَ مُخْتَصَرًا جِدًّا - وَثَلَاثَةُ دَنَانِيْرُ مِنَ العَيْنِ، لَمْ يَذْكُرْ سِوَى ذلِكَ، وَمَاتَ وَلَمْ يُعْقِبْ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ ابنَ سُكَيْنَةَ، وَابْنَ الأَخْضَرِ وَغَيْرَهُمَا يُكْثِرُوْنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَيَصِفُوْنَهُ بِالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ وَالدِّيَانَةِ، وَالمُحَافَظَةِ عَلَى السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ.
وَذَكَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: حَافِظٌ، ثِقَةٌ، دَيِّنٌ، خَيِّرٌ، مُتْقِنٌ، مُثْبِتٌ، وَلَهُ حَظٌّ كَامِلٌ مِنَ اللُّغَةِ، وَمَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ فِي المُتُوْنِ وَالأَسَانِيْدِ، كَثِيْرُ الصَّلَاةِ، دَائِمُ التِّلَاوَةِ لِلْقُرْآنِ الكَرِيْمِ، مُوَاظِبٌ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى، غَيْرَ أَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَقَعَ فِي النَّاسِ، وَيَتَكَلَّمَ فِي حَقِّهِمْ، وَقَدْ رَدَّ هَذَا عَلَيْهِ الحَافِظُ أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ رَدًّا بَلِيْغًا، وَقَالَ: صَاحِبُ الحَدِيْثِ مَا يَزَالُ يَجْرَحُ وَيُعَدِّلُ (١)، وَقَدْ احْتَجَّ بِكَلَامِ ابْنِ نَاصِرٍ فِي أَكْثَرِ التَّرَاجِمِ، فَكَيْفَ عَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ ثُمَّ طَعَنَ فِيْهِ؟ وَلكِنَّ هَذَا مِنْ تَعَصُّبِ ابْنِ
(١) الحَافِظُ السَّمْعَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - يُدْرِكُ الفَرْقَ بَيْنَ الجَرْحِ وَالتَّعْديل وَالتَكَلُّمِ فِي النَّاسِ؟!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute