للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَتَفَقَّهَ عَلَى أبِيْهِ القَاضِي أَبِي خَازِمٍ، وَعَلَى عَمِّهِ القَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ، وَبَرَعَ فِي المَذْهَبِ وَالخِلَافِ وَالمُنَاظَرَةِ، وَأَفْتَى، وَدَرَّسَ، وَنَاظَرَ فِي شَبِيْبَتِهِ. وَكَانَ ذَا ذَكَاءٍ مُفْرِطٍ، وَذِهْنٍ ثَاقِبٍ، وَفَصَاحَةٍ، وَحُسْنِ عِبَارَةٍ.

قَالَ ابنُ القَطِيْعِيِّ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ المَذْهَبِ، وَحَضَرْتُ دَرْسَهُ، وَلَمْ يُرَ مِثْلُهُ فِي حُسْنِ عِبَارَتِهِ، وَعذُوْبَةِ مُحَاوَرَتِهِ، وَحُسْنِ سَمْتِهِ، وَلَطَافَةِ طَبْعٍ، وَلِيْنِ مُعَاشَرَةٍ، وَلُطْفِ تَفْهِيْمٍ، عَطِرٍ بِالرِّيَاسَةِ، خَلِيْقٍ بِالتَّصَدُّرِ، جَدَّ وَاجْتَهَدَ حَتَّى صَارَ أَنْظَرَ (١) أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَوْحَدَ أَقْرَانِهِ، ذُو خَاطِرٍ عَاطِرٍ، وَفِطْنَةٍ نَاشِئَةٍ، أَعْرَفُ النَّاسَ بِاخْتِلَافِ أَقْوَالِ الفُقَهَاءِ، ظَهَرَ عِلْمُهُ فِي الآفَاقِ، وَرَأَى مِنْ تَلَامِيْذِهِ مَنْ نَاظَرَ وَدَرَّسَ وَأَفْتَى فِي حَيَاتِهِ، وَوَلِيَ القَضَاءَ بِـ "بَابِ الأَزَجِ" سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ "وَاسِطَ" سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِيْنَ، وَبَقِيَ مُدَّةً بِهَا حَاكِمًا، ثُمَّ عَزَلَهُ قَاضِي القُضَاةِ أَبُو الحَسَنِ بنُ الدَّامَغَانِيِّ. وَذُكِرَ عَنْهُ: أَنَّهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى عَزْلِهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى الحُكْمِ، ثُمَّ خَافَ عَاقِبَةَ ذلِكَ فَتَشَفَّعَ بِصَاحِبِ "البَطِيْحَةَ" (٢) إِلَى الخَلِيْفَةِ، ثُمَّ قَدِمَ "بَغْدَادَ" بَعْدَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةٍ، وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَلَازَمَ بَيْتَهُ. وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ القَصْرِ لِلْمُنَاظَرَةِ،


(١) أَفْعَلُ تَفْضِيْلٍ مِنْ "نَاظَرَ" وَهُوَ مِنْ فِعْلٍ رُبَاعِيٍّ لَا يَصِحُّ أَنْ يُصَاغَ مِنْهُ "أَفْعَلَ" إِلَّا بِوَاسِطَةٍ؟! فَيُقَالُ: أَشَدُّ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقْوَى مُنَاظَرَةً.
(٢) في "المُنْتَظَمِ": "فتَشَفَّعَ بِابْنِ أَبي الخَيْرِ صَاحِبِ "البَطِيْحَةِ" حَتَّى أَمَّنَهُ". وَالبَطِيْحَةُ "بِالفَتْحِ، ثُمَّ الكَسْرِ، وَجَمْعُهَا البَطَائِحُ … أَرْضٌ وَاسِعَةٌ بَيْنَ "وَاسِطَ" وَ"البَصْرَةَ" .. " كَذَا قَالَ يَاقُوْتٌ فِي مُعْجَمِ البُلْدَانِ (٢/ ٥٣٤).