(٢) أبو داود، كتاب الصلاة، باب جُمَّاع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها، برقم ١١٦١، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٣١٨. (٣) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى هل صلاة الاستسقاء قبل الخطبة أو بعدها، على قولين: * فقال الإمام القرطبي رحمه الله بعد ذكره لحديث عبد الله بن زيد في الصحيحين الذي دل على الخطبة قبل الصلاة: ((وظاهر هذا الحديث أن الخطبة مقدمة على الصلاة؛ لأنه جاء فيه بـ (ثم) التي للترتيب والمهلة، وبذلك قال مالك في أول قوليه، وهو قول كثير من الصحابة، والجمهور على أن الصلاة مقدمة على الخطبة، وإليه رجع مالك، وهو قوله في الموطأ، وكان مستند هذا القول رواية من روى هذا الخبر بالواو غير المرتبة بدل ثم، وروي عن إسحاق بن عيسى بن الصباغ عن مالك: أنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة، وهذا نص، ويعتضد هذا بقياس هذه الصلاة على صلاة العيدين، لسبب أنهما يخرج لهما، ولهما خطبة، ويخطب فيهما خطبتان يجلس في أولاهما ووسطهما، وهو قول مالك، والشافعي، وقال أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وعبد الرحمن بن مهدي: خطبة واحدة لا جلوس فيها، وخيَّره الطبري ... )) [المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ٢/ ٥٣٨ - ٥٣٩، ببعض التصرف اليسير]. * وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - عند الكلام على فوائد حديث عبد الله بن زيد المازني - رضي الله عنه -: ((وفيه أن صلاة الاستسقاء ركعتان وهو كذلك بإجماع المثبتين لها، واختلفوا هل هي قبل الخطبة أو بعدها، فذهب الشافعي، والجماهير إلى أنها قبل الخطبة، وقال الليث بعد الخطبة، وكان مالك يقول به ثم رجع إلى قول الجماهير، قال أصحابنا: ولو قدم الخطبة على الصلاة صحتا، ولكن الأفضل تقديم الصلاة كصلاة العيد وخطبتها، وجاء في الأحاديث ما يقتضي جواز العيد والتأخير، واختلفت الرواية في ذلك عن الصحابة - رضي الله عنهم - واختلف العلماء هل يكبر تكبيرات زائدة في أول صلاة الاستسقاء كما يكبر في صلاة العيد، فقال به الشافعي، وابن جرير، وروي عن ابن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، وقال الجمهور: لا يكبر، واحتجوا للشافعي بأنه جاء في بعض الأحاديث: صلى ركعتين كما يصلي في العيد، وتأوله الجمهور على أن المراد: كصلاة العيد في العدد، والجهر، والقراءة، وفي كونها قبل الخطبة، واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك، وخيّره داود بين التكبير وتركه ... )) [شرح النووي على صحيح مسلم، ٦/ ٤٤٠ - ٤٤١]. * وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((اختلفت الرواية في الخطبة للاستسقاء، وفي وقتها، والمشهور أن فيها خطبة بعد الصلاة، قال أبو بكر: اتفقوا عن أبي عبد الله أن في صلاة الاستسقاء خطبة، وصعودًا على المنبر، والصحيح أنها بعد الصلاة، وبهذا قال مالك، والشافعي، ومحمد بن الحسن، وعليه جماعة الفقهاء؛ لقول أبي هريرة - رضي الله عنه -: [((خرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا، ودعا الله - عز وجل -، وحول وجهه نحو القبلة رافعًا يديه، ثم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن)) أحمد، برقم ٨٣٢٧، وابن ماجه برقم ١٢٦٨، وابن خزيمة برقم ١٤٠٩، ١٤٢٢، وغيرهم، وقال أصحاب الموسوعة في تحقيق مسند الإمام أحمد برقم ٨٣٢٧: ((صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف، فالنعمان ضعيف يعتبر به وباقي رجال الإسناد ثقات من رجال الشيخين)) وقال الإمام ابن باز عن حديث أبي هريرة هذا: ((أخرج أحمد رحمه الله حديث أبي هريرة المذكور بإسناد حسن، وصرح فيه بأنه خطب بعد الصلاة، ويجمع بين الحديثين - يعني حديث عبد الله بن زيد في الصحيحين، وحديث أبي هريرة - بجواز الأمرين)) [انظر تعليق ابن باز على فتح الباري لابن حجر، ٢/ ٥٠٠]، ونقل الحافظ ابن حجر في التلخيص، برقم ٧٢٠، عن البيهقي في الخلافيات أنه قال: ((رواته ثقات)). وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه: ((إسناده صحيح)) والحديث ضعفه العلامة الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه، برقم ١٢٨٤]،ثم قال ابن قدامة؛ ولقول ابن عباس: صنع في الاستسقاء كما صنع في العيدين؛ ولأنها صلاة ذات تكبير فأشبهت صلاة العيد. والرواية الثانية أنه يخطب قبل الصلاة، روي ذلك عن عمر، وابن الزبير، وأبان بن عثمان، وهشام بن إسماعيل، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وذهب إليه الليث بن سعد، وابن المنذر؛ ولحديث أنس وعائشة، وعبد الله بن زيد. الرواية الثالثة: هو مخيّر في الخطبة قبل الصلاة وبعدها؛ لورود الأخبار بكلا الأمرين؛ ولدلالتهما على كلتا الصفتين، فيحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل الأمرين، والرابعة: أنه لا يخطب وإنما يدعو ويتضرع، وأيًّا ما فعل من ذلك فهو جائز؛ لأن الخطبة غير واجبة على الروايات كلها، فإن شاء فعلها وإن شاء تركها، والأولى أن يخطب بعد الصلاة خطبة واحدة؛ لتكون كالعيد؛ وليكونوا قد فرغوا من الصلاة إن أجيب دعاؤهم فأغيثوا، فلا يحتاجون إلى صلاة في المطر)) [المغني لابن قدامة، ببعض التصرف اليسير، ٣/ ٣٣٨ - ٣٣٩.وانظر: التمهيد لابن عبد البر، ١٧/ ١٧٢ - ١٧٣]. * وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((ويمكن الجمع بين ما اختلف من الروايات في ذلك بأنه - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالدعاء، ثم صلى ركعتين، ثم خطب، فاقتصر بعض الرواة على شيء وبعضهم على شيء، وعبر بعضهم عن الدعاء بالخطبة، فلذلك وقع الاختلاف ... )) [فتح الباري، ٢/ ٥٠٠]. * وقال الإمام البغوي رحمه الله: ((السنة في الاستسقاء أن يخرج إلى المصلى، فيبدأ بالصلاة، فيصلي ركعتين مثل صلاة العيدين، يكبر في الأولى سبعًا سوى تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمسًا سوى تكبيرة القيام، ويجهر فيهما بالقراءة، ثم يخطب، يروى ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعن أبي بكر وعمر، وعلي ... )) [شرح السنة للإمام البغوي، ٤/ ٤٠٢]. * وقد ذكر ابن قدامة - رحمه الله - أن الاستسقاء لها خطبة واحدة، ونقل عن الشافعي ومالك أنهما قالا: يخطب خطبتين كخطبتي العيد، قال ابن قدامة: ولنا قول ابن عباس: ((لم يخطب كخطبتكم هذه))، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وهذا يدل على أنه ما فصل بين ذلك بسكوت، ولا جلوس؛ ولأن كل من نقل الخطبة لم ينقل خطبتين؛ ولأن المقصود إنما هو دعاء الله تعالى؛ ليغيثهم، ولا أثر لكونها خطبتين في ذلك ... )) المغني لابن قدامة، ٣/ ٣٤٢.