للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو الفرار إليه: أي الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا: فرار من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى ذكر الله، فمن استكمل هذه الأمور فقد استكمل الدين كله، وقد زال عنه المرهوب، وحصل له نهاية المراد والمطلوب، وسمى الله الرجوع إليه فرارًا؛ لأن في الرجوع لغيره أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه أنواع المحاب، والأمن والسرور، والسعادة، والفوز، فيفرُّ العبد من قضائه، وقدره، إلى قضائه وقدره، وكل من خفت منه فررت منه إلا الله تعالى، فإنه بحسب الخوف منه يكون الفرار إليه)) (١).

ولشدة خوف النبي - صلى الله عليه وسلم - من الله - عز وجل - بكى في سجود صلاة الكسوف فينبغي الاقتداء به عليه الصلاة والسلام (٢).

٢ - استحضار ما رآه النبي من الأمور العظيمة في صلاة الكسوف؛ فإن ذلك يثمر الخوف من الله - عز وجل -، فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف: الجنة والنار، وهمَّ أن يأخذ عنقودًا من الجنة فيريهم إياه، ورأى بعض عذاب أهل النار، فرأى: امرأة تعذب في هِرَّة، ورأى عمرو بن مالك بن لُحي يجرّ أمعاءه في النار وكان أول من غيّر دين إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، ورأى فيها سارق الحاج يعذب، ورأى أكثر أهل النار النساء بكفرهن لإحسان العشير، وأُوحي إليه أن الناس يفتنون في قبورهم، ورأى فيها سارق بدنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وغير ذلك. فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال حين خطب الناس بعد صلاة الكسوف: ((يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا)). وفي رواية: ((ثم أمرهم أن يتعوذوا من


(١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص٨١٢.
(٢) النسائي، كتاب الكسوف، باب القول في سجود صلاة الكسوف، برقم ١٤٩٥، وصححه الألباني في صحيح النسائي، ١/ ٤٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>