للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطاوس، ومجاهد، ومكحول (١)، وهذا مذهب عامة العلماء أن صلاة الجمعة لا تصح إلا بخطبتين قبلها (٢)، فظهر أن الخطبتين لصلاة الجمعة شرط من شروط صحتها، ويؤكد ذلك الأمور التالية:

١ - أن الله أمر بالسعي إلى ذكر الله من حين النداء، والتواتر القطعي

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أذن المؤذن يوم الجمعة خطب خطبتين، فالسعي إلى الخطبة واجب، وما كان السعي إليه واجباً فهو واجب.

٢ - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم الكلام والإمام يخطب وهذا يدل على وجوب الاستماع إلى الخطبة، ووجوب الاستماع إليهما يدل على وجوبهما.

٣ - مواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - موظبة دائمة وهذا الدوام المستمر صيفاً وشتاء، شدة ورخاء يدل على جوبهما.

٤ - أنه لو لم تجب لها خطبتان لكانت كغيرها من الصلوات ولا يستفيد الناس من التجمع لها، ومن أهم الأغراض لهذه الصلاة: الموعظة وتذكير الناس (٣).

ويشرع أن تشتمل الخطبة على أربعة أمور (٤):


(١) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الصلاة، باب الرجل تفوته الخطبة، ٢/ ١٢٨.
(٢) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ٦/ ٣٩٨، والمغني لابن قدامة، ٣/ ١٧١، ١٧٣، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، ٥/ ٢١٩.
(٣) انظر: الشرح الممتع، لابن عثيمين، ٥/ ٦٦.
(٤) من أهل العلم من جعل هذه الأربعة الأمور من شروط صحة الخطبتين فلا تصح إلا بها، فقال: ((من شرط صحة الخطبتين: حمد الله، والصلاة على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقراءة آية، والوصية بتقوى الله تعالى، وقال الإمام ابن قدامة، رحمه الله: ((ومن شرط صحتهما: حمد الله تعالى، والصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقراءة آية، والوصية بتقوى الله تعالى، وحضور العدد المشترط)) [المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، ٥/ ٢١٨، وانظر: المغني له، ٣/ ١٧٣ - ١٧٦]. وقال الشيخ العلامة الزركشي: ((واعلم أن هذه الأربع: من الحمد، والصلاة، والقراءة، والموعظة أركان للخطبتين، لا تصح واحدة من الخطبتين إلا بهن)) [شرح الزركشي على مختصر الخرقي، ٢/ ١٧٨] وذكر الإمام النووي أنه يشترط عند الشافعي في الخطبة: الوعظ، والقرآن، وأن الخطبتين لا تصح إلا بحمد الله تعالى، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والوعظ قال: ((وهذه الثلاثة واجبات في الخطبتين، وتجب قراءة آية من القرآن في إحداهما على الأصح، ويجب الدعاء للمؤمنين في الثانية على الأصح، وقال مالك وأبو حنيفة والجمهور: يكفي من الخطبة ما يقع عليه الاسم)) [شرح النووي على صحيح مسلم،٦/ ٣٩٩]، وذكر عن ابن تيمية أن ذم الدنيا وذكر الموت لا يكفي في الخطبة، بل لابد من مسمى الخطبة عرفاً، ولا تحصل باختصار يفوت به المقصود، ويجب في الخطبة أن يشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، وأوجب في موضع آخر الشهادتين، وتردد في وجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة وقال في موضع آخر ويحتمل - وهو الأشبه - أن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - فيها واجبة مع الدعاء، ولا تجب مفردة؛ لقول عمر وعلي رضي الله عنهما: الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك - صلى الله عليه وسلم -، وتقديم الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - على الدعاء؛ لوجوب تقديمه على النفس، وبين أن الأمر بتقوى الله واجب إما بالمعنى وهو أشبه من أن يقال الواجب لفظ التقوى، وصرح بوجوب القراءة في الخطبة. [انظر: الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص١٢٠ - ١٢١]. وانظر: الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف مع المقنع والشرح الكبير، ٥/ ٢٢٠ - ٢٢١، وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((وأما اشتراط تلك الشروط في الخطبتين: الحمد، والصلاة على رسول الله، وقراءة آية من كتاب الله فليس على اشتراط ذلك دليل، والصواب أنه إذا خطب خطبة يحصل بها المقصود والموعظة، أن ذلك كافٍ وإن لم يلتزم بتلك المذكورات، نعم من كمال الخطبة الثناء فيها على الله وعلى رسوله، وأن تشتمل على قراءة شيء من كتاب الله، أما كون هذه الأمور شروطاً لا تصح إلا بها سواء تركها عمداً أو خطأ أو سهواً ففيه نظر ظاهر، وكذلك كون مجرد الإتيان بهذه الأركان الأربعة من دون موعظة تحرك القلوب يجزئ ويسقط الواجب وذلك لا يحصل به مقصود فغير صحيح)) [المختارات الجلية، ص٧٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>