للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدل على عظم منزلة الخشوع في الصلاة: أن الله تعالى يُعرِض عن من التفت بقلبه أو ببصره؛ لحديث أبي ذر - رضي الله عنه -، يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لاَ يَزَالُ اللَّهُ - عز وجل - مُقْبِلا عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ)) (١).

ولحديث الحارث الأشعري يرفعه، وفيه: (( ... وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ ... )) (٢).

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((الالتفات المنهيُّ عنه في الصلاة قسمان:

أحدهما: التفات القلب عن الله - عز وجل - إلى غير الله تعالى.

والثاني: التفات البصر، وكلاهما منهي عنه، ولا يزال الله مقبلاً على عبده ما دام العبد مقبلاً على صلاته، فإذا التفت بقلبه أو بصره، أعرض الله تعالى عنه ... ومثل من يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه مثل رجل قد استدعاه السلطان، فأوقفه بين يديه، وأقبل يناديه ويخاطبه، وهو في خلال ذلك يلتف عن السلطان يميناً وشمالاً، وقد انصرف قلبه عن السلطان، فلا يفهم ما يخاطبه به؛ لأن قلبه ليس حاضراً معه، فما ظنُّ هذا الرجل أن يفعل به السلطان، أفليس أقلّ المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتاً مبعداً، قد سقط من عينيه؟ فهذا المُصلّي لا يستوي والحاضر القلب المقبل على الله تعالى في صلاته، الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه، فامتلأ قلبه من هيبته، وذلَّ عُنُقه


(١) أبو داود، برقم ٩٠٩، وأحمد، برقم ١٥٠٨، وغيرهما، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب، ١/ ٣٦٠، وتقدم تخريجه في حكم الخشوع في الصلاة.
(٢) الترمذي، برقم ٢٨٦٣، وأحمد، برقم ١٧١٧٠، وغيرهما، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، ٣٠/ ١٤٤، وتقدم تخريجه في حكم الخشوع في الصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>