للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبكي وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشدُّ منه)) قال: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما رأيت منظراً قطُّ إلا والقبرُ أفظعُ (١) منه)) (٢).

والقبر أقرب شيء للإنسان، وشدته أمارة للشدائد كلها، وهو أشد وأشنع المناظر في الدنيا، وحيث خُصَّ بمناظر الدنيا اندفع ما يتوهم أن هذا ينافي قوله: ((فما بعده أشدُّ منه)) على أنه يمكن الجواب إذا عمم بأنه أفظع من جهة الوحشة، والوحدة، وغيره أشد عذاباً منه فلا إشكال (٣).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس شيء من الإنسان إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عَجْبُ الذَّنب، ومنه يُركَّبُ الخلق يوم القيامة)) (٤).

٣ - قصر الأمل والاستعداد للموت بالأعمال الصالحة، قال الله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (٥).

قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: ((ارتحلت الدنيا مدبرةً، وارتحلت الآخرة مقبلةً، ولكل واحدةٍ منها بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عملٌ ولا حساب، وغداً حسابٌ ولا عمل)) (٦).


(١) أفظع: أي أشدُّ وأشنع. شرح السندي على سنن ابن ماجه، ٤/ ٥٠٠.
(٢) الترمذي، كتاب الزهد، باب: حدثنا هناد، برقم ٢٣٠٨، وابن ماجه، واللفظ له، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم ٤٢٦٧، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، ٢/ ٥٢٧ وغيره.
(٣) انظر: شرح السندي على سنن ابن ماجه، ٤/ ٥٠٠.
(٤) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم ٤٢٦٦، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، ٢/ ٤٢١، وغيره.
(٥) سورة الحجر، الآية: ٣.
(٦) البخاري، كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله، قبل الحديث رقم ٦٤١٧، وذكر الحافظ في فتح الباري ١١/ ٢٣٦: زيادة في أوله عند ابن أبي شيبة وابن المبارك في الزهد: ((قال علي: إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا وإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة ... )) الحديث كالذي في الأصل سواء.

<<  <  ج: ص:  >  >>