للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد صلاة العيد: تقبل الله منا ومنكم، وأحاله الله عليك، ونحو ذلك فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره، لكن قال أحمد: أنا لا أبتدئ أحداً، فإن ابتدأني أحد أجبته، وذلك لأن جواب التحية واجب، وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأموراً بها، ولا هو أيضاً مما نهي عنه، فمن فعله فله قدوة، ومن تركه فله قدوة، والله أعلم)) (١).

١٧ - يقضي صلاة العيد من فاتته مع الإمام، قال الإمام البخاري رحمه الله: ((بابٌ إذا فاتته العيد يصلي ركعتين. وكذلك النساء ومن كان في البيوت، والقرى، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((هذا عيدنا أهل الإسلام))، وأمر أنس بن مالك مولاهم ابن أبي عتبة بالزاوية (٢) فجمع أهله وبنيه وصلى صلاة أهل المصر وتكبيرهم، وقال عكرمة: أهل السواد (٣) يجتمعون في العيد يصلون ركعتين كما يصنع الإمام، وقال عطاء: إذا فاته العيد صلى ركعتين)) (٤)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((في هذه الترجمة حكمان: مشروعية استدراك صلاة العيد إذا فاتت مع الجماعة سواء كانت بالاضطرار أو بالاختيار، وكونها تقضى ركعتين كأصلها)) (٥) (٦).


(١) مجموع الفتاوى، ٢٤/ ٢٥٣.
(٢) الزاوية: موضع على فرسخين من البصرة كان به لأنس قصر وأرض، وكان يقيم هناك كثيراً، فتح الباري لابن حجر، ٢/ ٤٧٥.
(٣) أهل السواد: ما حول كل مدينة من القرى: أي كأنها الأشخاص والمواضع العامرة بالناس والنبات بخلاف ما لا عمارة فيه. مشارق الأنوار للقاضي عياض،٢/ ٢٢٩.
(٤) البخاري، كتاب العيدين، باب إذا فاتته العيد يصلي ركعتين، قبل الحديث ٩٨٧.
(٥) فتح الباري، ٢/ ٤٧٤.
(٦) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى هل يسن أن تقضى صلاة العيد إذا فاتت مع الإمام أم لا فقال جماعة: لا تقضى، منهم المزني، وقال أبو حنيفة يتخير بين القضاء والترك [فتح الباري لابن حجر، ٢/ ٤٧٥]، واختار هذا القول العلامة ابن عثيمين ونسبه لشيخ الإسلام ابن تيمية، وأن من فاتته صلاة العيد لا يسن له أن يقضيها؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ولأنها صلاة ذات اجتماع معين فلا تشرع إلا على هذا الوجه [الشرح الممتع، ٥/ ٢٠٨، وأسئلة وأجوبة صلاة العيدين، ص٤، الجواب رقم ٤].
وقال جماعة أخرى: يسن أن تقضى فمن فاتته العيد مع الإمام، فإنه يقضي، ثم اختلفوا كم يقضي: ركعتين أم أربعاً.
١ - فذهب الإمام البخاري إلى أن من فاتته صلاة العيد قضاها ركعتين كأصلها: أي يصلي ركعتين بتكبيرها: فيكبر في الركعة الأولى ستّاً بعد تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمساً غير تكبيرة الانتقال، وهذه رواية عن الإمام أحمد. نقل ذلك عن أحمد إسماعيل بن سعيد واختاره الجوزجاني وهذا قول النخعي، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وابن المنذر؛ لما روي عن أنس أنه إذا لم يشهد العيد مع الإمام بالبصرة جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلي بهم ركعتين يكبر فيهما؛ ولأنه قضاء صلاة فكان على صفتها، كسائر الصلوات، وهو مخير إن شاء صلاها وحده، وإن شاء في جماعة، قيل لأبي عبد الله: أين يصلي؟ قال: إن شاء مضى إلى المصلى وإن شاء حيث شاء.
٢ - وذهب الإمام أحمد في رواية إلى أن من فاتته صلاة العيد صلاها أربعاً، وهو قول الثوري، قال الحافظ ابن حجر: ((ولهما في ذلك سلف قال ابن مسعود [- رضي الله عنه -]: من فاته العيد مع الإمام فليصلّ أربعاً. أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح)). [فتح الباري، ٢/ ٤٧٥] وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: إن أمرت رجلاً أن يصلي بضعفة الناس أمرته أن يصلي أربعاً، رواه سعيد [مصنف ابن أبي شيبة، ٢/ ٢٨٤]، ويقوي ذلك حديث علي أنه أمر رجلاً يصلي بضعفة الناس أربعاً [المغني لابن قدامة، ٣/ ٢٦٠ و٣/ ٢٨٤، والشرح الكبير، ٥/ ٣٣٧، و٥/ ٣٦٥] لأنه قضاء صلاة عيد فكانت أربعاً قضاء الجمعة [المغني، ٣/ ٣٨٤، والشرح الكبير، ٥/ ٣٦٥ - ٣٦٦]. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويستحب للإمام إذا خرج أن يخلف من يصلي بضعفة الناس في المسجد كما فعل علي - رضي الله عنه -، فروى هزيل بن شرحبيل قال: قيل لعلي - رضي الله عنه -: لو أمرت رجلاً يصلي بضعفة الناس هوناً في المسجد الأكبر قال: إن أمرت رجلاً يصلي أمرته أن يصلي بهم أربعاً، وروي أنه استخلف أبا مسعود البدري فصلى بهم في المسجد [المغني، ٣/ ٢٦٠، ٢٨٤، والشرح الكبير، والإنصاف،
٥/ ٣٣٧، ٣٦٥، وانظر: سنن البيهقي،٣/ ٣١٠، ومصنف ابن أبي شيبة، ٢/ ٢٨٤].
٣ - وفي رواية عن أحمد أنه مخير بين ركعتين وأربع، وهذا قول الأوزاعي؛ لأنها صلاة تطوع أشبهت صلاة الضحى [الشرح الكبير، ٥/ ٣٦٦، والمغني، ٣/ ٢٨٥]، وقال أبو حنيفة بهذا القول: أي مخير بين الثنتين والأربع [فتح الباري، لابن حجر، ٢/ ٤٧٥]، وانظر: الكافي لابن قدامة،
١/ ٥١٥، وحاشية الروض المربع لابن قاسم، ٢/ ٥١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>