وذكر ابن القيم رحمه الله قول من قال: إن غلب على المصلّي عدم الخشوع في الصلاة، وعدم تعقُّلِها وجب عليها إعادتها، واحتجوا: بأنها صلاة لا يُثاب عليها، ولم يُضمن له فيها الفلاح، فلم تبرأ ذمته منها ... ؛ ولأن الخشوع، والتعقُّلَ: روح الصلاة، ومقصودها، ولبُّها، فكيف يُعتدّ بصلاةٍ فقدت روحها، ولبَّها، وبقيت صورتها وظاهرها؟ وقالوا: ولو ترك العبد واجباً من واجباتها عمداً لأبطلها تركه، وغايته أن يكون بعضاً من أبعاضها، بمنزلة فوات عضو من أعضاء العبد المعتق في الكفارة، فكيف إذا عدمت روحها، ولبَّها، وصارت بمنزلة العبد الميّت، فإذا لم يعتدّ بالعبد المقطوع اليد، يعتقه تقرّباً لله تعالى في كفارة واجبة، فكيف يعتدّ بالعبد الميت .. ؟؟ وذكر بأن حجج أصحاب هذا القول قويّة ظاهرة.
ولكنه رحمه الله رجّح القول الثاني الذي لا يوجب الإعادة، وإنما يفُوت المصلّي غير الخاشع الثواب بقدر ما فاته من الخشوع في صلاته، ويفوته ما يحصل من الدرجات العُلا في الآخرة، ومرافقة المقرّبين، كل هذا يفوته بفوات الحضور والخضوع، وذَكَر أن الرجلين ليكون مقامهما في الصف واحداً، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، فإن أراد الإعادة لتحصل هذه الثمرات والفوائد فذاك إليه إن شاء أن يحصّلها، وإن شاء أن يفوّتها على نفسه فوَّتها، ولا نلزمه بإعادتها ولا نعاقبه على تركها، ولا نرتب عليه أحكام تارك الصلاة، وهذا أرجح القولين (١).
وكلام ابن القيم رحمه الله هنا مختص بحضور القلب وخشوعه في الصلاة، أما من نقر الصلاة، ولم يتم ركوعها، أو سجودها، أو ترك شيئاً من شروطها، أو أركانها، أو تعمّد ترك واجب من واجباتها، فلا شكّ أن الإعادة تجب عليه.