للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال: ((كنت قائماً في المسجد فحصبني (١) رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) (٢).

وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - أنه تقاضى ابنَ أبي حدرد ديناً كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما، حتى سمعهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سِجفَ حجرته (٣) فنادى: ((يا كعب) قال: لبيك يا رسول الله، قال: ((ضع من دينك هذا)) وأومأ إليه: أي الشطر، قال كعب: قد فعلت يا رسول الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قم فاقضه)) (٤)،قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: ((وفي الحديث جواز رفع الصوت في المسجد، وهو كذلك ما لم يفحش ... والمنقول عن مالك منعه في المسجد مطلقاً، وعنه التفرقة بين رفع الصوت بالعلم والخير، وما لا بد منه فيجوز، وبين رفعه باللغط ونحوه فلا)) (٥). ونقل الحافظ ابن حجر - رحمه الله - عن المهلب قوله: ((لو كان رفع الصوت في المسجد لا يجوز لما تركهما النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولبيَّن لهما ذلك)) قال ابن حجر: ((قلت: ولمن منع أن يقول: لعله تقدم نهيه عن ذلك، فاكتفى به، واقتصر على التوصل بالطريق المؤدية إلى ترك ذلك بالصلح المقتضي لترك المخاصمة، الموجبة لرفع الصوت)) (٦)،وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول: ((وهذا فيه جواز طلب قضاء الدين في المسجد، كأن يقول: أعطني ديني، وهذا ليس كالبيع، [أو] يقول: اقضني


(١) فحصبني: حصبته: إذا رميته بالحصباء، وهي الحصى الصغار. جامع الأصول لابن الأثير، ١١/ ٢٠٥.
(٢) البخاري، كتاب الصلاة، باب رفع الصوت في المسجد، برقم ٤٧٠.
(٣) سِجْف حجرته: الستر، وقيل: أحد طرفي الستر المفرج. فتح الباري، لابن حجر، ١/ ٥٥٢.
(٤) البخاري، كتاب الصلاة، باب التقاضي والملازمة في المسجد، برقم ٤٥٧.
(٥) فتح الباري، ١/ ٥٥٢.
(٦) فتح الباري، ١/ ٥٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>