للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر فقام أيضاً، حتى كنَّا رهطاً، فلما حس النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة، ثم دخل رحله (١) فصلى صلاة لا يصليها عندنا، قال - قلنا له حين أصبحنا: أفطنت لنا الليلة؟ فقال: ((نعم ذلك الذي حملني على الذي صنعت)) (٢)؛ ولحديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ حُجرة في المسجد من حصير في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم، جعل يقعد فخرج إليهم فقال: ((قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)). وفي رواية: ((ثم جاؤوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهم، فلم يخرج عليهم، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم مغضباً، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم [ولو كتب عليكم ما قمتم به]، فعليكم بالصلاة في بيوتكم؛ فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)) (٣)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقام أناس يصلون بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام ليلة الثانية فقام معه ناس يصلون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثاً، حتى إذا كان بعد ذلك جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك الناس فقال: ((إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل)) (٤). قال أبو البركات - ابن تيمية - رحمه الله -: ((باب انتقال المنفرد إماماً


(١) رحله: منزله، ويتجوز في صلاته: أي يخفف ويقتصر على الجائز المجزي مع بعض المندوبات. شرح النووي على صحيح مسلم، ٧/ ٢٢١.
(٢) مسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال، برقم ١١٠٤.
(٣) البخاري، كتاب الأذان، باب صلاة الليل، برقم ٧٣١، وكتاب الأدب، باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله تعالى، برقم ٦١١٣، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال ومن تكلف ما لا يعنيه، برقم ٧٢٩٠.
(٤) البخاري، كتاب الأذان، بابٌ إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة، برقم ٧٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>