للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعودونه فصلى بهم جالساً وهم قيام، فلما سلم قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإن صلى قائماً فصلوا قياماً)) (١).

وهذان الحديثان فيهما جواز الارتفاع اليسير لمكان الإمام على المأموم عند الحاجة لذلك.

أما حديث أبي مسعود: ((أن حذيفة - رضي الله عنه - أمَّ الناس بالمدائن (٢) على دكان (٣) فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى، قد ذكرت حين مددْتني)) (٤). وحديث حذيفة في قصته مع عمار بن ياسر وأخذه على يديه وإنزاله من الصلاة على الدكان المرتفع، فاتَّبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا أمَّ الرجل القوم، فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم)) أو نحو ذلك (٥)، فهذان الحديثان وما في معناهما يدلان على كراهة علوّ الإمام على المأموم علوّاً أكثر مما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، جمعاً بين الأخبار (٦)، والله أعلم (٧).وسمعت شيخنا الإمام


(١) متفق عليه: البخاري، برقم ٣٧٨، ومسلم، برقم ٤١١، ويأتي تخريجه في اقتداء الجالس القادر على القيام بالجالس المعذور.
(٢) المدائن: مدينة قديمة على دجلة تحت بغداد. نيل الأوطار للشوكاني،٢/ ٤٤١.
(٣) الدكان: الدكة، وهو الموضع المرتفع يجلس عليه، جامع الأصول لابن الأثير،٥/ ٦٣٣.
(٤) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان المأموم، برقم ٥٩٧، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ١٧٨.
(٥) أبو داود، الصلاة، باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان المأموم، برقم ٥٩٨، قال عنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ١٧٩: ((حسن بما قبله إلا ما خالفه)).
(٦) انظر: المغني، لابن قدامة،٣/ ٤٨،والإنصاف مع شرح الكبير والمقنع، ٤/ ٤٥٥،وحاشية ابن قاسم على الروض المربع،٢/ ٣٥٠ - ٣٥١،والكافي لابن قدامة، ١/ ٤٣٧،وفتح الباري لابن حجر،٢/ ٤٨٦ - ٤٨٨، ومنتهى الإرادات مع حاشية النجدي، ١/ ٣١٧، والشرح الممتع، لابن عثيمين،٤/ ٤٢٣ - ٤٢٦، ونيل الأوطار للشوكاني، ٢/ ٤٤٠ - ٤٤٢،ومنار السبيل للضويان،١/ ١٧٣،وفتاوى الإمام ابن باز، ١٢/ ٩٤.
(٧) اختلف العلماء - رحمهم الله - في مسألة علوّ الإمام على المأموم، فقيل: يمنع ارتفاع الإمام على المأموم مطلقاً، وأما صلاته - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فقيل إنه إنما فعل ذلك لغرض التعليم، وقيل: الصلاة على مكان مرتفع من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: إنه لا يكره مطلقاً؛ لأن الحديث ضعيف. والصواب أن الذي يكره هو الارتفاع الكثير، أما اليسير فلا بأس به. انظر: المغني لابن قدامة، ٣/ ٤٧ - ٤٨، والإنصاف مع الشرح الكبير والمقنع، ٤/ ٤٥٣، والشرح الممتع لابن عثيمين، ٤/ ٤٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>