للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان ذلك لم يخفَ ولم يُترك نقله مع كثرته وعموم البلوى به، لكن إن كانوا مقيمين بموضع يسمعون النداء لزمهم السعي إليها، كأهل القرية الصغيرة إلى جانب المصر ... ويشترط في القرية أن تكون مجتمعة البناء بما جرت به العادة في القرية الواحدة، فإن كانت متفرقة المنازل تفرقاً لم تجرِ العادة به لم تجب عليهم الجمعة)) (١)، ولكن لو اجتمع في

القرية الصغيرة ما تنعقد به الجمعة وجبت عليهم ويتبعهم الباقون، ولا يشترط اتصال البناء بعضه ببعض، ومتى كانت القرية لا تجب عليهم الجمعة، ولكن كانوا يسمعون النداء من المدينة؛ فإنه يلزمهم السعي إليها لعموم الآية (٢)، وقد تقدم شيء من التفصيل في ذلك، في حكم صلاة الجمعة: من تجب عليه ومن لا تجب عليه (٣).

وقد أقيمت الجمعة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قرية بالبحرين، فعن ابن عباس أنه قال: ((إن أول جمعة جُمّعت بعد جمعة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد عبد القيس بجوثى من البحرين)) يعني قرية من البحرين (٤)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((ووجه الاستدلال منه أن الظاهر أن عبد القيس لم يُجَمّعوا إلا بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لما عُرِفَ من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي؛ ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن، كما استدل جابر وأبو سعيد على جواز العزل بأنهم فعلوه والقرآن ينزل فلم يُنهَوا عنه)) (٥)، وتقدم أن أسعد بن زرارة أول من جَمَّعَ في المدينة قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - في قرية


(١) المغني، لابن قدامة، ٣/ ٢٠٣.
(٢) المرجع السابق، ٣/ ٢٠٣.
(٣) انظر: الشرط السادس من شروط فرضية الجمعة.
(٤) البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، برقم ٨٩٢، وكتاب المغازي، باب وفد عبد القيس، برقم ٤٣٧١.
(٥) فتح الباري، لابن حجر، ٢/ ٣٨٠، وذكر آثاراً عن الصحابة في إقامة الجمع في القرى. وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، ٢/ ٤٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>