للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام رحمه الله عن الحديث السابق: ((فذكر أن حِكْمَةَ ذلك تخويف العباد كما يكون تخويفهم في سائر الآيات: كالرياح الشديدة، والزلازل، والجدب، والأمطار المتواترة، ونحو ذلك من الأسباب التي قد تكون عذابًا؛ كما عذب الله أُممًا بالريح، والصيحة، والطوفان، وقال تعالى: {فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (١)، وقد قال: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} (٢)، وإخباره بأنه يخوف عباده بذلك يبين أنه قد يكون سببًا لعذاب ينزل: كالريح العاصفة الشديدة، وإنما يكون ذلك إذا كان الله قد جعل ذلك سببًا لِمَا ينزل في الأرض)) (٣).

وقد سبق أن شيخ الإسلام ذكر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيّن أن كسوف الشمس والقمر سبب لنزول عذاب بالناس (٤).

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ((نعم لا ننكر أنه سبحانه يحدث عند الكسوفين من أقضيته وأقداره ما يكون بلاء لقوم ومصيبة لهم، ويجعل الكسوف سببًا لذلك؛ ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الكسوف بالفزع إلى ذكر الله، والصلاة، والعتاقة، والصدقة، والصيام؛ لأن هذه الأشياء تدفع موجب الكسف الذي جعله الله سببًا لِمَا جعله، فلولا انعقاد سبب التخويف لَمَا أمر بدفع موجبه بهذه العبادات، ولله تعالى في أيام دهره أوقات يحدث فيها ما يشاء من البلاء، والنعماء، ويقضي من الأسباب ما يدفع موجب تلك الأسباب لمن قام به، أو يقلله، أو يخففه،


(١) سورة العنكبوت، الآية: ٤٠.
(٢) سورة الإسراء، الآية: ٥٩.
(٣) مجموع فتاوى شيخ الإسلام، ٣٥/ ١٦٩.
(٤) المرجع السابق، ٢٤/ ٢٥٨ - ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>