كان من أخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة -وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية- فقال لسعد: كذبتَ لعمر الله، لا تقتله ولا نقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير -وهو ابن عم سعد بن معاذ- فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فتساور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت: فمكثتُ يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم.
قالت: فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع يَظنّان أن البكاء فالق كبدي. قالت: فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي فاستأذنت عليَّ امرأة من الأنصار فأذنتُ لها، فجلست تبكي معي، قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسلّم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهراً لا يُوحى إليه في شأني قالت: فتشهّد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين جلس ثم قال: أما بعد، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرؤكِ الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه.
قالت: فلما قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقالته قَلصَ دَمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما قال. قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقلت لأمي: أجيبي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: فقلت -وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن-: إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلتُ لكم إني بريئة -والله يعلم أني بريئة- لا تُصدقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر -والله يعلم أني منه بريئة- لتصدقني. والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف، قال (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) قالت: