ثم تحولت فاضطجعت على فراشي قالت: وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مُبرّئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحياً يُتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النوم رؤيا يبرِّؤني الله بها. قالت: فوالله ما رامَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه. قالت: فلما سرى عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُري عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها:"يا عائشة، أما الله عز وجل فقد برّأك". فقالت أمي: قومي إليه قالت فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل. وأنزل الله (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه ... ) العشر الآيات كلها. فلما أنزل الله في براءتي قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وكان ينفق على مِسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أُنفق على مسطح شيئاً أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) قال أبو بكر: بلى والله، إني أحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأل زينب ابنة جحش عن أمري فقال: يا زينب، ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيراً. قالت - وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.
(الصحيح ٨/٣٠٦-٣٠٩ ح ٤٧٥٠ -ك التفسير- سورة النور، ب الآية) ، (صحيح مسلم ٤/٢١٢٩ ح ٢٧٧٠ - ك التوبة، ب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف) .