للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَلْقَةَ شَيْخِهِ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ- وَاتَّصَلَتْ مَجَالِسِي؛ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِي بِالعِلْمِ.

وَاشْتُهِرَ أَمْرُ الشَّيْخِ أَبُو الفَرَجِ مِنْ ذلِكَ الوَقْتِ، وَأَخَذَ فِي التَّصْنِيْفِ وَالجَمْعِ، وَقَدْ كَانَ بَدَأَ بِالتَّصْنِيْفِ مِنْ قَبْلِ ذلِكَ. وَذَكَرَ أَنَّهُ سَرَدَ الصَّوْمَ مُدَّةً، وَاتَّبَعَ الزُهَّادَ، ثُمَّ رَأَى العِلْمَ أَفْضَلُ مِنْ كُل نَافِلَةٍ فَانْجَمَعَ عَلَيْهِ، وَنَظَرَ فِي جَمِيع الفُنُوْنِ، وَأَلَّفَ فِيْهَا، وَكَانَتْ أَكْثَرُ عُلُوْمِهِ يَسْتَفِيْدُهَا مِنَ الكُتُبِ، وَلَمْ يُحْكِمْ مُمَارَسَةَ أَهْلِهَا فِيْهَا، وَعَظُمَ شَأْنُ الشَّيْخِ فِي وِلَايَةِ الوَزِيْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، وَكَانَ يَتكلَّمُ عِنْدَهُ فِي دَارِهِ كُل (١) جُمْعَةٍ، وَلَمَّا وَلِيَ المُسْتَنْجِدَ الخِلَافَةَ خَلَعَ عَلَيْهِ خُلْعَةً مَعَ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الأكَابِرِ، وَأَذِنَ لَهُ فِي الجُلُوْسِ بِجَامِع القَصْرِ. قَالَ: فتكَلَّمْتُ، وَكَانَ يُحْزَرُ جَمْعُ مَجْلِسِي عَلَى الدَّوَامِ بِعَشْرَةِ آلَافٍ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا.

قَالَ: وَظَهَرَ أَقْوَامٌ يَتكَلَّمُوْنَ بِالبِدَعِ وَيَتَعَصَّبُوْنَ فِي المَذَاهِبِ، فَأَعَانَنِي اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَكَانَتْ كَلِمَتُنَا هِيَ العُلْيَا، وَكَانَ الشَّيخُ -رَحِمَهُ اللهُ- يُظْهِرُ فِي مَجَالِسِهِ مَدْحَ السُّنَّةِ، وَالإِمَامَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابَهِ، وَيَذُمُّ مَنْ يُخَالِفُهُمْ، ويُصَرِّحُ بِمَذَاهِبِهِمْ فِي مَسَائِلِ الأُصُوْلِ، لَاسِيَّمَا فِي مَسْألةِ القُرْآنِ، وَكَلَامُهُ فِي كُتُبِهِ الوَعْظِيَّةِ فِي ذلِكَ كَثيْرٌ جِدًّا. وَقَالَ يَوْمًا عَلَى المِنْبَرِ: أَهْلُ البِدَع يَقُوْلُوْنَ: مَا فِي السَّمَاءِ أَحَدٌ، وَلَا فِي المُصْحَفِ قُرْآنٌ، وَلَا فِي القَبْرِ نَبِيٌّ: {ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} (٢). وَقَدِمَ مَرَّةً إِلَى "بَغْدَادَ" وَاعِظٌ يُقَالُ: لَهُ


(١) في هامش نسخة (أ): "فِي كُلِّ … " قراءة نُسخة أُخرى.
(٢) سورة النُّور، الآية: ٥٨.