للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَكَانَ يُدَرِّسُ الفِقْهَ وَيُصَنِّفُ فِيْهِ، وَكَانَ حَافِظًا لِلْحَدِيْثِ، وَصَنَّفَ فِيْهِ، إِلَّا أَنَّنَا لَمْ نَرْضَ تَصَانِيْفَهُ فِي السُّنَّةِ، وَلَا طَرِيْقَتَهُ فِيْهَا -انْتَهَى- (١) وَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- إِذَا رَأَى تَصْنِيْفًا وَأَعْجَبَهُ صَنَّفَ مِثْلَهُ فِي الحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ فِي ذلِكَ الفَنِّ عَمَلٌ؛ لِقُوَّةِ فَهْمِهِ، وَحِدَّةِ ذِهْنِهِ، فَرُبَّمَا صَنَّفَ لأجْلِ ذلكَ الشَّيءَ وَنَقِيْضَهُ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقُ لَهُ مِنَ الوُقُوْفِ عَلَى تَصَانِيْفِ مَنْ تَقَدَّمَهُ، وَقَدْ كَانَ شَيْخُهُ ابْنُ نَاصِرٍ يثْنِي عَلَيْهِ كَثِيْرًا، وَلَمَّا صَنَّفَ أَبُو الفَرَجِ كِتَابَهُ المُسَمَّى بِـ"التَلْقِيْحِ" (٢) وَلَهُ إِذْ ذَاكَ نَحْوَ الثَّلَاثِيْنَ مِنْ عُمُرِهِ، عَرَضَهُ عَلَى ابْنِ نَاصِرٍ، فَكَتَبَ عَلَيْهِ: قَرَأَ عَلَيَّ هَذَا الكِتَابِ جَامِعُهُ الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، أَبُو الفَرَجِ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ أَجَادَ تَصْنِيْفَهُ، وَأَحْسَنَ تَأْلِيْفَهُ، وَجَمَعَهُ وَلَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِ هَذَا الجَمْعِ؛ فَقَدْ طَالَعَ كُتُبًا كَثِيْرَةً، وَأَخَذَ أَحْسَنَ مَا فِيْهَا مِنَ اليَاقُوْتِ وَاللُّولُؤِ، فَنَظَمَهُ عِقْدًا زَانَ بِه التَّصَانِيْفَ، الَّتِي تَجَمَّعَتْ منَ التَّوَارِيْخِ، وَمَعَرِفَةِ الصَّحَابَةِ وَأَسْمَائِهِمْ وَكُنَاهُمْ، وَأَعْمَارِهِمْ، وَأَبَانَ عَنْ فَهْمٍ وَعِلْمٍ غَزِيْرٍ، مَعَ اخْتِصَارٍ يَحُضُّ عَلَى الحِفْظِ وَالعَمَلِ بِالعِلْمِ، فَنَفَعَهُ اللهُ بِعِلْمِهِ، وَنَفَعَ بِهِ، وَبَلَّغَهُ غَايَةَ العُمُرِ؛ لِيَنْفَعَ المُسْلِمِيْنَ، وَيَنْصُرَ السُّنَةَ وَأَهْلَهَا، وَيَدْحَضَ البِدَعَ وحِزْبَهَا.

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الفَرَجِ: وَلَقَدْ كُنْتُ أَرُدُّ أَشْيَاءَ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي الفَضْلِ بِنِ


(١) وَمِمَّا أَخَذَهُ عَلَيْهِ ابنُ الأثِيْرِ أَنَّهُ: "كَانَ كَثِيْرِ الوَقِيْعَةِ فِي النَّاسِ لَاسِيَّمَا العُلَمَاءِ المُخَالِفِيْنَ لِمَذْهَبِهِ".
(٢) اسمُه "تَلْقِيْحُ فُهُوْمُ أَهْلِ الأثَرِ في فُنُوْنِ المَغَازِي والسِّيَرِ" مَطْبُوعٌ.