شِيْعِيًّا، فَقَالَ لَهُ الرُّكْنُ: مَكِّنِي مِنْ عَدُوِّي لأرْمِيَهُ فِي المَطْمُوْرَةِ، فَزَبَرَهُ (١)، فَقَالَ: يَا زِنْدِيْقُ، أَرْمِيْهِ بِقَوْلكَ، هَاتِ خَطِّ الخَلِيْفَةِ، وَاللهِ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِي لَبَذَلْتُ رُوْحِي وَمَالَي فِي خِدْمَتِهِ، فَعَادَ الرُّكْنُ إِلَى "بَغْدَادَ".
قَالَ ابنُ القَادِسِيِّ: لَمَّا حَضَرُوا "وَاسطَ" جُمِعَ النَّاسُ، وادَّعَى ابنُ عَبْدِ القَادِرِ عَلَى الشَّيْخِ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي وَقْفِ المَدْرَسَةِ، وَاقْتَطَعَ مِنْ مَالِهَا كَذَا وَكَذَا -وَكَذَبَ فِيْمَا ادَّعَاهُ-، وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ -وَصَدَقَ وَبَرَّ- وَأُفْرِدَ للشَّيْخِ دَارٌ بِـ"دَرْبِ الدِّيْوَانِ"، وَعَلَى بَابِهَا بَوَّابٌ. وَكَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَدْخُلُوْنَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَمِعُوْنَ مِنْهُ، وَيُمْلِي عَلَيْهِمْ. وَكَانَ يُرْسِلُ أَشْعَارًا كَثيْرَةً إِلَى "بَغْدَادَ"، وأَقَامَ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ يَخْدِمُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ، وَيَغْسِلُ ثَوْبَهُ وَيَطْبَخُ، وَيَسْتَقِي المَاءَ مِنَ البِئْرِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ خُرُوْجٍ إِلَى حَمَّامٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِيْنَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ بَقِيَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فِي السَّفِيْنَةِ حتَّى وَصَلَ إِلَى "وَاسطَ" لَمْ يَأْكُلْ فِيْهَا طَعَامًا.
وَذَكَرَ عَنْهُ انَهُ قَالَ: قَرَأْتُ بِـ"وَاسطَ" مُدَّةَ مَقَامِي بِهِا كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً، مَا قَرَأْتُ فِيْهَا سُوْرَةَ يُوْسُفَ مِنْ حُزْنِي عَلَى وَلَدِي يُوْسُفَ.
والَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الفَرَجِ بنُ الحَنْبَلِيِّ عَنْ طَلْحَةَ العَلْثِيِّ: أَنَّ الشَّيْخَ كَانَ يَقْرَأُ فِي تِلْكَ المُدَّةِ مَا بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ أَوْ أَرْبَعَةً مِنَ القُرْآنِ، وَبَقِيَ عَلَى ذلِكَ مِنْ سَنَةِ تِسْعِيْنَ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، فَأُفْرِجَ عَنْهُ، وَقَدِمَ إِلَى "بَغْدَادَ" وَخَرَجَ خَلْقٌ كَثيْرٌ يَوْمَ دُخُوْلهِ لِتَلَقِّيْهُ، وَفَرِحَ بِهِ أَهْلُ "بَغْدَادَ"
(١) أي: نَهَرَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute