للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الدِّيْنِ عَلَى الإنْكَارِ، ثُمَّ نَدِمَ واسْتَغْفَرَ مِنْهُ، وأَحْسَنَ القَاضِي الفَاضِلُ ظَنَّهُ بِهِ.

وَكَانَ أَبْيَضَ قَصِيْرًا جِدًّا، وَشَعْرُ لِحْيَتِهِ أَحْمَرُ، وَحَكَى لِي أَنَّهُ يَأْخُذُ اللَّحْمَةَ مِنَ المِقْلَى، فَيَضعُهَا فِي فِيْهِ، وَلَا يَتَضَرَّرُ بِذلِكَ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ حَمْدَانَ: كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، فَقِيْهًا فَاضِلًا، وَهُوَ شَيْخُ شَيْخِنَا نَاصِحِ الدِّيْنِ عَبْدِ القَادِرِ بنِ أَبي الفَهْمِ (١). أَنْكَرَ مَرَّةً عَلَى مُظَفَّرِ الدِّيْنِ (٢) صَاحِب "إِرْبِلَ"


(١) توفي سنة (٦٤١ هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.
(٢) كُوْكُبُورِيُّ بنُ عَلِى بنِ بَكْتَكِيْنَ التُّرْكُمَانِى، أَبُو سَعِيْدٍ، مُظَفَّرُ الدِّيْنِ (ت: ٦٣٠ هـ) كَانَ مُحِبًّا لِلْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ، شُجَاعًا، مُظَفرًا عَلَى لَقَبِهِ، مِنَ المُلُوْكِ الأكَابِرِ، وَكَانَ وَزِيْرَهُ المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُسْتَوفي الإرْبِلِيُّ الإِمامُ الْمُؤَرِّخُ الأدِيْبُ الْعَلَّامَةُ صَاحِبُ "التَّمَامِ في شَرْحِ دِيْوَانَيْ المُتَنَبِّي وَأَبي تَمَّامٍ" وَ"تَارِيْخ إِرْبل" وَغَيْرِهَا، وَكَانَ وَزِيْرُهُ هَذَا كَثيْرَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَتَعْظِيْمِهِ في مُصَنَّفَاتِهِ، وَكَانَ الْخَلِيْفَةُ المُسْتَنصِرُ العَبَّاسِيُّ قَدْ شَافَهَهُ بِالدُّعَاءِ، وَخَلَع عَلَيْهِ مَلَابِسَهُ، وَكَانَ صَلَاحُ الدِّيْنِ الأيُّوبِيُّ يَثِقُ بِهِ، وَوَلَّاهُ عِدَّةَ وِلَايَاتٍ، وَزَوَّجَهُ بِأُخْتِهِ رَبِيْعَة خَاتُون، وَشَهِدَ مَعَهُ مَوَاقِفَ كَثيْرَةً تَدُلُّ عَلَى نَخْوَةٍ، وَمُرُوْءَةٍ، وَشَجَاعَةٍ، وَشَهِدَ مَعَهُ يَوْمَ "حِطِّيْنَ"، وَكَانَ قَدْ أَوْصَى أَنْ يَنْقُلَ تَابُوتُهُ إِلَى "مَكَّةَ" ليُدْفَنَ هُنَاكَ. وَكَانَ كَرِيْمًا، جَوَادًا، مُفْرِطًا فِي الكَرَمِ وَالإِحْسَانِ إِلَى الفُقَرَاءِ وَالزَّمْنَى، يَزُوْرُهُم بنَفْسِهِ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيْس وَيُفَرِّقُ عَلْيِهم الأمْوَالَ، ويُمَازِحُهُم، وَبَنَى دُورًا للنِّسَاءِ وَالأرَامِلِ وَالْعَجَزَةِ والضُّعَفَاءِ وَالمَلَاقِيْطِ، وَكَانَ لَهُ من أَعْمَالِ الخَيرِ والبِرِّ شَيْءٌ كَثيْرٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَمِيْلُ إِلَى الصُّوفِيَّةِ، وَيَزُوْرُهُمْ ويَحْضُرُ سَمَاعَهُمْ، وَيَأْنْسُ بِهِمْ كَثيرًا، قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "لَمْ تَكُنْ لَهُ لَذَّةٌ سِوَى السِّمَاع … " وَاسْتَقْدَمَ الفُقَهَاءِ، وَالأُدَبَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَالمُحَدِّثِيْنَ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِم وَنَفِقَتْ سُوْقُ الأدَبِ، وَالعِلْمِ، وَالحَدِيْثِ فِي بَلَدِهِ، وَكَانَ يَحْتَفِلُ بِبِدْعَةِ "المُوْلدِ" احْتِفَالًا بَالِغًا، وَتزَينُ البَلَدُ بِالشُّموع … وأَلَّفَ لَهُ ابنُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيُّ كِتَابًا مَشْهُورًا في هَذَا سَامَحَهُمَا اللهُ وَعَفَا عَنَّا وَعَنْهُمَا، وَلَو جُمِعَتْ أَخْبَارُهُ لَجَاءَتْ فِي مُجَلَّدٍ =