للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثُمَّ ذَكَرَ ذلِكَ ابْنُ القَادِسِيِّ، فَقَال مَا سَمِعْتُهُ يُنْشِدُ فِي مَجْلِسِهِ: (١)

يَا أَكْرَمَ البَشَرِ الَّذِي مَا زِلْتُ فِي … عُمُرِي لَهُ أُهْدِي الثَّنَاءَ وَأَمْدَحُ

أَتْعَبْتَ وَصَّافِيْكَ فِيْكَ فَلَجْلَجَ الـ … مُثْنِي وَأَعْرَبَ فِي عُلَاكَ المُفْصِحُ

وَالبَدْرُ تَمَّ وَأَنْتَ أَكْمَلُ صُوْرَةٍ … وَالبَحْرُ عَمَّ وَأَنْتَ مِنْهُ أَسْمَحُ

قَال أَبُو الفَرَجِ بْنُ الحَنْبَلِيِّ - وَقَرَأْتُهُ بِخَطِّهِ -: كَانَ - يَعْنِي الدُّوْرِيَّ - وَاعِظًا حَسَنًا، وَكَانَ يُضَاهِي ابْنَ الجَوْزِيِّ فِي وَعْظِهِ، وَكانَ فَصِيْحًا فِي إِيْرَادِهِ، وَلَهُ نَظْمٌ (٢) وَنَثْرٌ، سَمِعْتُهُ يَتَكَلَّمُ، وَقَالَ: - وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ - بِاللهِ عَلَيْكَ يَا جَامِعَ المَنْصُوْرِ، هَلْ تَسْمَعُ قَطُّ مِثْلَ وَعْظِ الدُّوْرِيِّ؟! وَقَالَ:

أَخَافُكَ حَتَّى لَا أَظُنُّ سَلَامَةً … وَأَرْجُوْكَ حَتَّى لَا أَظُنُّ هَلَاكَا

وَهَا أَنَا رَهْنٌ فِي يَدَيْكَ وَمُحْسِنٌ … بِكَ الظَنَّ فَاجْعَلْ لِلأَسِيْرِ فِكَاكَا

فَمَا نِلْتُ مِمَّا أَرْتَجِيْهِ لِمَوْتَتِي … سِوَاكَ وَلَا قَدْرَ الأَرَاكَ سِوَاكَا

قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ سِبْطُ ابْنِ الجَوْزِيِّ: يُعَانِي الوَعْظَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ صَنْعَتِهِ، وَكَانَ يُضَاهِي جَدِّي حَتَّى قِيْلَ لَهُ: أَيُّمَا أَعْلَمُ: أَنْتَ أَمْ أَبُو الفَرَجِ؟ فَقَالَ: مَا


(١) عَنِ المُؤَلِّفِ في "المَنْهَجِ الأَحْمَدِ".
(٢) مِنْ شِعْرِهِ الأَبْيَاتُ المَشْهُوْرَةُ:
يَتُوْبُ عَلَى يَدِي قَوْمٌ عُصَاةٌ … أَخَافَتْهُمْ مِنَ البَارِي ذُنُوْبُ
وَقَلْبِي مُظْلِمٌ مِنْ طُوْلِ مَا قَدْ … جَنَى فَأَنَا عَلَى يَدِ مَنْ أَتُوْبُ
كَأَنِّي شَمْعَةٌ مَا بَيْنَ قَوْمٍ … تُضِيءُ لَهُمْ وَيُحْرِقُهَا اللَّهِيبُ
كَأَنِّي مَخِيْطٌ يَكْسُو أُنَاسًا … وَجِسْمِي مِنْ مَلَابِسِهِ سَلِيْبُ
وَأَنْشَدَ لَهُ ابنُ الشَّعَّارِ أَشْعَارًا في "عُقُوْدِ الجُمَانِ" تَجِدْهَا هُنَاكَ.