للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ المَصْدَرُ هُنَا بِمَعْنَى المَفْعُوْلِ، تَقْدِيْرُهُ: إِنَّ مَرْحُوْمَ اللهِ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءُ، وَمِنْهُ: (١) {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ}، أَيْ: مَخْلُوقُهُ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: لَكَ أَنْ تَجْعَلَ "مَا" مِنْ قَوْلِهِ: (٢) {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) مَصْدَرِيَّةٌ: أَيْ كِتْمَانُكُمْ، وَكِتْمَانُكُمْ بِمَعْنَى مَكْتُوْمَكُمْ؛ لأَنَّ الكِتْمَانَ لَا يَظْهَرُ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ المَكْتُومُ.

الوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ المُضَافَ إِلَى المَصْدَرِ، أَوْ إِلَى الخَبَرِ: مَحْذُوْفٌ، تَقْدِيْرُهُ: إِنَّ ذَوِي رَحْمَةِ اللهِ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءُ، أَيْ: المُسْتَحِقُوْنَ لَهَا، أَوْ إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ حَقُّ الرُّحَمَاءِ، وَمِثْلُ هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (٣) {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} هَلْ تَقْدِيْرُهُ: وَلكِنَّ ذَا البِرِّ مَنْ آمَنَ، أَوْ لكِنَّ البِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ؟

الوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا تُقَدِّرَ حَذْفَ مُضَافٍ، غَيْرَ أَنَّكَ تَجْعَلُ "الرُّحَمَاءُ" هُمُ الرَّحْمَةُ عَلَى المُبَالَغَةِ، كَمَا قَالُوا: رَجُلٌ عَدْلٌ، وَرَجُلٌ زَوْرٌ، وَرَجُلٌ عِلْمٌ، وَقَوْمٌ صَوَّمٌ، إِذَا كَثُرَ مِنْهُمْ ذلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الخَنْسَاءِ (٤):

تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ، حَتَّى إِذَا إِدَّكَرَتْ … فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وإِدْبَارُ

فثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ امْتِنَاعَ الرَّفْعِ فِي "الرُّحَمَاءِ" وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.


(١) سورة لقمان، الآية: ١١.
(٢) سورة البقرة.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١٧٧.
(٤) دِيْوَانُهَا شَرْحُ ثَعْلَبٍ (٣٨٣).