للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧)}، فَجَاءَ الضَّميْرُ مُفْرَدًا وَمَجْمُوْعًا، وَقَالَ تَعَالَى: (١) {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣)}، فَأعَادَ الضَّمِيْرَ بلَفْظِ الجَمْعِ، فكَذلكَ فِي قَوْلِهِ: "إِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءُ" وَلَكَ عَلَى هَذَا الوَجْهِ أَن تَجْعَلَ "إِنَّ" العَامِلَةَ، وَأَنْ تَجْعَلَهَا بِمَعْنَى "نَعَمْ" عَلَى مَا سَبَقَ.

الوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وُجُوهِ "مَا" الَّتِي يَجُوْزُ مَعَهَا رَفْعُ "الرُّحَمَاءِ": أَنْ تَكُوْنَ "مَا" نَكِرَةٌ مَوْصوْفَةٌ فِي مَوْضِعِ فَرِيْقٍ أَوْ قَبِيْلٍ، وَ"يَرْحَمُ" صَفَةٌ لَهَا، وَ"الرُّحَمَاءُ" الخَبَرُ، وَالعَائِدُ مِنَ الصِّفَةِ إِلَى المَوْصوْفِ مَحْذُوْفٌ، تَقْدِيْرُهُ: إِنَّ فَرِيْقًا يَرْحَمْهُ اللهُ: الرُّحَمَاءُ.

فَإِنْ قِيْلَ: كَيْفَ يَصِحُّ الابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ، وَالإِخْبَارُ بِالمَعْرِفَةِ عَنْهَا؟ قِيْلَ: النَّكِرَةُ هُنَا قَدْ خُصِّصَتْ بِالوَصْفِ، وَ"الرُّحَمَاءُ" لَا يُقْصدُ بِهِمْ قَصْدَ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، فَكَانَ فِيْهِ كَذلِكَ نَوْعُ إِيْهَامٍ، فَلَمَّا قَرُبَتْ [النَّكِرَةُ هُنَا بِالصِّفَةِ مِنَ المَعْرِفَةِ، وَقَرُبَتِ المَعْرِفَةُ] (٢) مِنَ النَّكِرَةِ بِمَا فِيْهَا مِنْ إبْهَامٍ صَحَّ الإِخْبَارُ بِهَا عَنْهَا، عَلَى أَنَّ كَثِيْرًا مِنَ النَّكِرَاتِ يُجْرَى مَجْرَى المَعَارِفِ فِي بَابِ الإِخْبَارِ إِذَا حَصَلَتْ مِنْ ذلِكَ فَائِدَةٌ، وَالفَائِدَةُ هُنَا حَاصِلَةٌ.

الوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُوْنَ "مَا" مَصْدَرِيَّةً، وَفِي تَصْحِيْحِ الإِخْبَارِ عَنْهَا بِـ "الرَحَمَاءِ" ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.


(١) سورة الزُّمر.
(٢) في (ط): "قرنت" فيهما.