- بَعْدَ أَخِيْهِ أَبِي عُمَرَ، وَالعِمَادِ - أَزْهَدُ وَلَا أَوْرَعُ مِنْهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ الحَيَاءِ، عَزُوْفًا عَنِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا، هَيِّنًا، لَيِّنًا، مُتَوَاضِعًا، مُحِبًّا لِلْمَسَاكِيْنِ، حَسَنَ الأَخْلَاقِ، جَوَادًا، سَخِيًّا، مَنْ رَآهُ كأَنَّهُ رَأَى بَعْضَ الصَّحَابَةِ، وَكَأَنَّمَا النُّوْرُ يَخْرُجُ مِنْ وَجْهِهِ، كَثِيْرَ العِبَادَةِ، يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سُبْعًا مِنَ القُرْآنِ، وَلَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ السُّنَّةِ فِي الغَالِبِ إلَّا فِي بَيْتِهِ، اتِّبَاعًا لِلْسُّنَّةِ، وَكَانَ يَحْضُرُ مَجَالِسِي دَائِمًا فِي جَامِعِ "دِمَشْقَ" وَ"قَاسِيُوْنَ". وَقَالَ أَيْضًا: شَاهَدْتُ مِنَ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ، وَأَخِيْهِ المُوَفَّقِ، وَنَسِيْبِهِ العِمَادِ مَا نَرْوِيْهِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالأَوْلِيَاءِ الأَفْرَادِ، فَأَنْسَانِي حَالُهُمْ أَهْلِي وَأَوْطَانِي، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِمْ عَلَى نِيَّةِ الإِقَامَةِ، عَسَى أَنْ أَكُوْنَ مَعَهُمْ فِي دَارِ المَقَامَةِ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ إِمَامَ الحَنابِلَةِ بِالجَامِعِ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نَبِيْلًا، غَزِيْرَ الفَضْلِ، كَامِلَ العَقْلِ، شَدِيْدَ التَّثَبُّتِ، دَائِمَ السُّكُوْتِ، حَسَنَ السَّمْتِ، نَزِهًا، وَرِعًا، عَابِدًا عَلَى قَانُوْنِ السَّلَفِ، عَلَى وَجْهِهِ النُّوْرُ، وَعَلَيْهِ الوَقَارُ وَالهَيْبَةُ، يَنْتَفِعُ الرَّجُلُ بِرُؤْيَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُ، صَنَّفَ التَّصَانِيْفَ المَلِيْحَةَ فِي المَذْهَبِ وَالخِلَافِ، وَقَصَدَهُ التَّلَامِذَةُ وَالأَصْحَابُ، وَسَارَ اسْمُهُ فِي البِلَادِ، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ، وَكَانَ حَسَنَ المَعْرِفَةِ بِالحَدِيْثِ، وَلَهُ يَدٌ فِي عِلْمِ العَرَبِيَّةِ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الحَاجِبِ الحَافِظِ (١) فِي "مُعْجَمِهِ": هُوَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ، وَمُفْتِي
(١) هُوَ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بن مَنْصُوْرِ بنِ الحَاجِبِ الأَمِيْنِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، المُحَدِّثُ، صَاحِبُ "المُعْجَمِ" الكَبِيْرِ، الَّذِي جَمَعَ فِيْهِ شُيُوْخَهُ، تُوُفِي شَابًّا سَنَة (٦٣٠ هـ). أَخْبَارُهُ فِي: التَّكْمِلَةِ للمُنْذِرِيِّ (٣/ ٣٤٦)، وَالعِبَرِ (٥/ ١٢١)، وَالشَّذَرَاتِ (٥/ ١٣٧). وَالنَّصُّ هُنَا فِي تَارِيْخِ الإِسْلامِ =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute