للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُصَلِّي فِيْهِ أَبُو سُلَيْمَانَ بْنُ الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ، مَا لَمْ يَحْضُرِ المُوَفَّقُ، وَكَانَ بَيْنَ العِشَائَيْنِ يَتَنَفَّلُ حِذَاءَ المِحْرَابِ، وَجَاءَهُ مَرَّةً المَلِكُ العَزِيْزُ بنُ العَادِلِ يَزُوْرُهُ، فَصَادَفَهُ يُصَلِّي، فَجَلَسَ بِالقُرْبِ منْهُ إِلَى أَنْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ اجْتَمَعَ بِهِ، وَلَمْ يَتَجَوَّزْ فِي صَلَاتِهِ، وَكَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ العِشَاءِ الآخِرَةِ يَمْضِي إِلَى بَيْتِهِ بِـ "الرَّصِيْفِ"، وَمَعَهُ مِنْ فُقَرَاءِ الحَلْقَةِ مَنْ قَدَّرَهُ اللهُ تَعَالَى، فَيُقَدِّمُ لَهُمْ مَا تَيَسَّرَ يَأْكُلُوْنَهُ مَعَهُ.

وَمِنْ أَظْرَفِ مَا حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ فِي عِمَامَتِهِ وَرَقَةً مَصْرُوْرَةً فِيْهَا رَمْلٌ يُرَمِّلُ بِهِ مَا يَكْتُبُهُ لِلْنَّاسِ مِنَ الفَتَاوَى وَالإِجَازَاتِ وَغَيْرِهَا، فَاتَّفَقَ لَيْلَةً خُطِفَتْ عِمَامَتُهُ، فَقَالَ لِخَاطِفِهَا: يَا أَخِي خُذْ مِنَ العِمَامَةِ الوَرَقَةَ المَصْرُوْرَةَ بِمَا فِيْهَا وَرَدَّ العِمَامَةَ أَغُطِّي بِهَا رَأْسِي، وَأَنْتَ فِي أَوْسَعِ الحِلِّ مِمَّا فِي الوَرَقَةِ، فَظَنَّ الخَاطِفُ أَنَّهَا فِضَّةٌ وَرَآهَا ثَقِيْلَةً، فَأَخَذَهَا وَرَدَّ العِمَامَةَ، وَكَانَتْ صَغِيْرَةً عَتِيْقَةً، فَرَأَى أَخْذَ الوَرَقَةِ خَيْرًا مِنْهَا بِدَرَجَاتٍ، فَخَلَّصَ الشَّيْخُ عِمَامَتَهُ بِهذَا الوَجْهِ اللَّطِيْفِ. وَبَلَغَنِي منْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الإِمَامِ أَبِي العَبَّاسِ بْنِ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: مَا دَخَلَ "الشَّامَ" - بَعْدَ الأَوْزَاعِيِّ - أَفْقَهَ مِنَ الشَّيْخِ المُوَفَّقِ. وَقَدْ أَفْرَدَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ، سِيْرَةَ الشَّيْخِ فِي جُزْئَيْنِ، وَكَذلِكَ أَفْرَدَهَا الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ. قَالَ الضِّيَاءُ: كَانَ - رَحمَهُ اللهُ - إِمَامًا فِي القُرْآنِ وَتَفْسِيْرِهِ، إِمَامًا فِي عِلْمِ الحَدِيْثِ وَمُشْكِلَاتِهِ، إِمَامًا فِي الفِقْهِ، بَلْ أَوْحَدَ زَمانِهِ فِيْهِ، إِمامًا فِي عِلْمِ الخِلَافِ، أَوْحَدَ زَمَانِهِ فِي الفَرَائِضِ، إِمَامًا فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ، إِمَامًا فِي النَّحْوِ، إمَامًا فِي الحِسَابِ، إِمَامًا فِي النُّجُوْمِ السَّيَّارَةِ وَالمَنَازِلِ، قَالَ: