للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَلَمَّا قَدِمَ "بَغْدَادَ" قَالَ لَهُ الشَّيْخُ أَبُو الفَتْحِ بْنُ المَنِّيِّ: اسْكُنْ هُنَا؛ فَإِنَّ "بَغْدَادَ" مُفْتَقِرَةٌ إِلَيْكَ، وَأَنْتَ تَخْرُجُ منْ "بَغْدَادَ" وَلَا تَخْلُفْ فِيْهَا مِثْلَكَ. وَكَانَ شَيْخُنَا العِمَادُ يُعَظِّمُ الشَّيْخَ المُوَفَّقَ تَعْظِيْمًا كَثِيْرًا، وَيَدْعُو لَهُ، وَيَقَعُدُ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَمَا يَقْعُدُ المُتَعَلِّمُ مِنَ العَالَمِ.

وَسَمِعْتُ الإِمَامَ المُفْتِي شَيْخَنَا أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ مَعَالَيِ بْنِ غَنِيْمَةَ (١)، بِـ "بَغْدَادَ" يَقُوْلُ: مَا أَعْرِفُ أَحَدًا فِي زَمَانِي أَدْرَكَ دَرَجَةَ الاِجْتِهَادِ إِلَّا المُوَفَّقَ.

وَسَمِعْتُ أَبَا عَمْرِو بنَ الصَّلَاحِ المُفْتِي يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الشَّيْخِ المُوَفَّقِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ (٢) اليُوْنِيْنِيُّ: مَا أَعْتَقِدُ أَنَّ شَخْصًا مِمَّنْ رَأَيْتُهُ حَصَلَ لَهُ مِنَ الكَمَالِ فِي العُلُوْمِ وَالصِّفَاتِ الحَمِيْدَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الكَمَالُ سِوَاهُ، فَإِنَّهُ - رَحِمَهُ اللهُ - كَانَ كَامِلًا فِي صُوْرَتِهِ وَمَعْنَاهُ مِنَ الحُسْنِ وَالإِحْسَانِ، وَالحِلْمِ وَالسُّؤْدَدِ، وَالعُلُوْمِ المُخْتَلِفَةِ، وَالأَخْلَاقِ الجَمِيْلَةِ، وَالأُمُوْرِ الَّتِي مَا رَأَيْتُهَا كَمُلَتْ فِي غَيْرِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ كَرَمِ أَخْلَاقِهِ، وَحُسْنِ عِشْرَتِهِ، وَوُفُوْرِ حِلْمِهِ، وَكَثْرَةِ عِلْمِهِ، وَغَزِيْرِ فِطْنَتِهِ، وَكَمَالِ مُرُوْءَتِهِ، وَكَثْرَةِ حَيَائِهِ، وَدَوَامِ بِشْرِهِ، وَعُزُوْفِ نَفْسِهِ عَنِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا، وَالمَنَاصِبِ وَأَرْبَابِهَا مَا قَدْ عَجِزَ


(١) مُحَمَّدُ بنُ مَعَالِي بنِ غَنِيْمَةَ البَغْدادِيُّ المَأْمُونِيُّ المَعْرُوْفُ بِـ "ابنِ الحَلَّاوِيُّ" (ت: ٦١١ هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.
(٢) كَذَا في الأُصُوْلِ، وَفِي "تَارِيْخِ الإِسْلامِ" "أَبُو عَبْدِ اللهِ" وَهُوَ الصَّحِيْحُ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ أَبي الحُسَيْن أَحْمَدَ بن عَبْدِ اللهِ بنِ عِيْسَى بن أَبِي الرِّجَالِ أَبُو عَبْدِ اللهِ اليُوْنيْنِيُّ البَعْلَبَكِيُّ (ت: ٦٥٨ هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ المُؤَلِّفُ: "وَتَفَقَّهَ بِالشَّيْخِ مُوَفَّقِ الدِّيْنِ".