العَبْدُ حَقِيْقَةَ الإِيْمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، أَفَتَرَاهُ يُحِبُّ لِنَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَنْ يَنْتَصِبُ لِكَشْفِ سَقَطَاتِهِ، وَعَيْبِ تَصَانِيْفِهِ، وَإِظْهَارِ أَخْطَائِهِ؟ وَكَمَا لَا يُحِبُّ ذلِكَ لِنَفْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحِبَّهُ لِغَيْرِهِ، سِيَّمَا لِلأَئِمَّةِ المُتَقَدِّمِيْنَ، وَالعُلَمَاءُ المُبَرِّزِيْنَ. وَقَدْ أَرَانَا اللهُ تَعَالَى آيَةً فِي ذَهَابِهِ عَنِ الصَّوَابِ فِي أَشْيَاءِ تَظْهَرُ لِمَنْ هُوَ دُوْنَهُ، فَمِنْ ذلِكَ فِي فُتْيَاهُ هَذِهِ خَطَأٌ فِي وُجُوهٍ كَثِيْرَةٍ.
مِنْهَا: أَنَّهُ إِنَّمَا أُذِنَ لَهُ بِقَرِيْنَةِ الحَالِ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ، فَعُدُوْلُهُ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ تَصَرُّفٌ فِي الكِتَابَةِ فِي وَرَقَةِ غَيْرِهِ، بِمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيْهِ، وَذلِكَ حَرَامٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّ قَرِيْنَةَ أَحْوَالِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا أَذِنُوا فِي الجَوَابِ بِما يُوَافِقُ (١) المُفْتِي قَبْلَهُ، فَالكِتَابَةُ بِخِلَافِ ذلِكَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيْهَا، وَلِذلِكَ أَحْوَجَ إِلَى قَطْعِ وَرَقَتِهِمْ، وَذَهَابِ فُتْيَاهُ مِنْهَا.
وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنِ السَّمَاعِ الجَامِعِ لِهَذِهِ الخِصَالِ المَذْكُورَةِ، عَلَى وَجْهٍ يُتَّخَذُ دِيْنًا وَقُرْبَةً؟ فَلَمْ يُجِبْ عَنْ ذَلِكَ، وَعَدَلَ إِلَى ذِكْرِ بَعْضِ الخِصَالِ المَذْكُورَةِ مُفْرَدَةً، عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ المَذْكُورَةِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنَ الجَوَابِ عَنْ بَعْضِ شَيءٍ الجَوَابُ عَنْ مَجْمُوْعِهِ، وَلَا مِنْ بَيَانِ حُكْمِهِ عَلَى صِفَةٍ بَيَانُ حُكْمِهِ عَلَى غَيْرِهَا، فَنَاصِحُ الدِّيْنَ سُئِلَ عَنِ السَّمَاعِ الجَامِعِ لِهَذِهِ القَبَائِحِ مُتَّخَذًا دِيْنًا وَقُرْبَةً، فَأَجَابَ: بِأَنَّ رَجُلًا قَدْ حَدَا للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَجَارِيَةً قَدْ نَدَبَتْ أَبَاهَا، وَأَشْبَاهَ ذلِكَ بِمَا لَيْسَ فِيْهِ جَوَابٌ أَصْلًا.
(١) فِي (وَ): "وَافَقَ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute