للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقَدْ تَفَقَّهَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَكَابِرِ المَذْهَبِ كَالحَلْوَانِيِّ، وَابنِ المُخَرِّمِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ. وَكَانَ مُعَظَّمًا عِنْدَ الخَاصَّةِ وَالعَامَّةِ، زَاهِدًا (١) فِي الدُّنْيَا إِلَى الغَايَةِ، قَائِمًا فِي إِنْكَارِ المُنْكَرَاتِ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ، مُجْتَهِدًا فِي ذلِكَ.

قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ، وَابنُ الجَوزِيِّ: لَمَّا احْتُضِرَ القَاضِي أَبُو يَعْلَى أَوْصَى أَنْ يُغَسِّلَهُ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ، فَلَمَّا احْتُضِرَ القَائِمُ بِأَمْرِ اللهِ (٢) قَالَ: يُغَسِّلُنِي عَبْدُ الخَالِقِ، فَفَعَلَ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِمَّا هُنَاكَ شَيْئًا، فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ وَصَّى لَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِأَشْيَاءٍ كَثيْرَةٍ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ، فَقِيْلَ لَهُ: فَقَمِيْصُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ تتَبَرَّكُ بِهِ؟ فَأَخَذَ فُوْطَةَ نَفْسِهِ، فَنَشَّفَهُ بِهَا، وَقَالَ: قَدْ لَحِقَ هَذِهِ الفُوْطَةَ بَرَكَةُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ فِي مَكَانِهِ المُقْتَدِي، فَبَايَعَهُ مُنْفَرِدًا، قَالَ: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ، وَقَالَ الشَّرِيْفُ: لَمَّا بَايَعتُهُ أَنْشَدْتُهُ (٣):


(١) في (أ) فقط: "زاهدٌ".
(٢) هُوَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الإمَامِ القَادِرِ باللهِ أَحْمَدَ. بُوْيعَ بِالخِلَافَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْن وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَتُوفَيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرَبْعِمَائَةَ، وَزَادَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ عَلَى أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. يُرَاجَعُ: الإنْبَاءُ بتَارِيْخِ الخُلَفَاءِ (٢٠١)، وَالجَوْهَرُ الثَّمِيْنُ (١٩٢)، وَمَآثِر الإِنَافَة (١/ ١١)، وَتَارِيْخِ الخُلَفَاءِ للسُّيوْطِيِّ (٤٥٤) وَغَيْرُهَا.
(٣) ذَكَرَ ذلك الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي "تَارِيْخ الإسْلَام" فِي وَفَاةِ الخَلِيْفَةِ القَائِمِ بِأَمْرِ اللهِ وَولَايَةِ المُقْتَدِي. وَالبَيْتُ مِن قَصِيْدَةٍ تُنْسَبُ إِلَى السَّمْوأَلِ بنِ عَادِيَا اليَهُودِيِّ، وَرُبَّمَا نُسِبَتْ إلى عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الحَارثِيِّ في ديوانه (٨٩)، وَأَوَّلُهَا:
إِذَا المَرْءُ لَمْ يَدْنَس مِنَ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ … فَكُلُّ رِدَاءٍ يَرْتَدِيْهِ جَمِيْلُ
وَإِنْ هُوَ لَمْ يَحْمِلْ عَلَى النَّفِيْسِ ضَنيْمَهَا … فَلَيْسَ عَلَى حُسْنِ الثَّنَاءِ سَبِيْلُ =