للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَفَارَقَهُمْ مِنْ "عَسْقَلَانَ"، وَزَارَ "البَيْتَ المُقَدَّسَ". ثُمَّ دَخَلَ "دِمَشْقَ" بَعْدَ غَيْبَتِهِ عَنْهَا فَوْقَ سَبْعِ سِنيْنَ، وَمَعَهُ أَخَوَاهُ (١) وجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَخَرَجَ خَلْقٌ كَثيْرٌ لِتَلَقِّيْهِ، وَسُرَّ النَّاسُ بِمَقْدَمِهِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا مِنْ إِقْرَاءِ العِلْمِ، وَتَدْرِيْسِهِ بِمَدْرَسَةِ "السُّكَّرِيَّةِ"، وَ"الحَنبَلِيَّةِ"، وَإِفتَاءِ النَّاسِ وَنَفْعِهِمْ.

ثُمَّ فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ: وَرَدَ كِتَابٌ مِنَ السُّلْطَانِ بِمَنْعِهِ مِنَ الفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الحَلِفِ بِالطَّلَاقِ بِالتَّكْفِيْرِ، وَعُقِدَ لَهُ مَجْلِسٌ بـ "دَارِ السَّعَادَةِ" وَمُنِعَ مِنْ ذلِكَ، وَنُوْدِيَ بِهِ فِي البَلَدِ.

ثُمَّ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ عُقِدَ لَهُ مَجْلِسٌ أَيْضًا كَالمَجْلِسِ الأَوَّلِ، وَقُرِئَ كِتَابُ السُّلْطَانِ بِمَنْعِهِ مِنْ ذلِكَ، وَعُوْتِبَ عَلَى فُتْيَاهُ بَعْدَ المَنْعِ، وَانْفَصَلَ المَجْلِسُ عَلَى تَأْكِيْدِ المَنْعِ. ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ عُقِدَ لَهُ مَجْلِسٌ ثَالِثٌ بِسَبَبِ ذلِكَ، وَعُوْتِبَ، وَحُبِسَ بالقَلْعَةِ، ثُمَّ حُبِسَ لأَجْلِ ذلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، وَمُنِعَ بسَبَبِهِ مِنَ الفُتْيَا مُطْلَقًا، فَأَقَامَ مُدَّةً يُفْتِي بِلِسَانِهِ، وَيَقُوْلُ: لَا يَسَعُنِي كَتْمُ العِلْمِ.

وَفِي آخِرِ الأَمْرِ: دَبَّرُوا عَلَيْهِ الحِيْلَةَ فِي مَسْأَلَةِ المَنْعِ مِنَ السَّفَرِ إِلَى قُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ، وَأَلْزَمُوْهُ مِنْ ذلِكَ التَّنَقُّصُ بِالأَنْبِيَاءِ، وَذلِكَ كُفْرٌ، وأَفْتَى بذلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ، وَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَفْسًا، رَأَسَهُمُ القَاضِي الإِخْنَائِيَّ المَالِكِيُّ، وَأَفْتَى قُضَاةُ "مِصْرَ" الأرْبَعَةِ بِحَبْسِهِ، فَحُبِسَ بِـ "قَلعةِ دِمَشْقَ" سَنَتَيْنِ وَأَشْهُرًا، وَبِهَا مَاتَ، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

وَقَدْ بَيَّنَ - رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّ مَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ باطِلٌ بإِجْمَاعِ المُسْلِمِيْن مِنْ وُجُوْهٍ كَثِيْرَةٍ جِدًّا، وَأَفتَى جَمَاعَةٌ بأَنَّهُ يُخْطِئُ فِي ذلِكَ خطَأَ المُجْتَهِدِيْنَ