للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رَبِّهِ، وَالمَأْسُوْرُ مَنْ أَسَرَهُ هَوَاهُ.

وَلَمَّا دَخَلَ إِلَى القَلْعَةِ، وَصَارَ دَاخِلَ سُوْرِهَا نَظَرَ إِلَيْهِ، وَقَالَ: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (١٣)} (١).

قَالَ شَيْخُنَا: وَعَلِمَ اللهُ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَطْيَبَ عَيْشًا مِنْهُ قَطُّ، مَعَ مَا كَانَ فِيْهِ مِنَ الحَبْسِ وَالتَّهْدِيْدِ وَالإِرْجَافِ، وَهُوَ مَعَ ذلِكَ أَطْيَبُ النَّاسِ عَيْشًا، وَأَشْرَحُهُمْ صَدْرًا، وَأَقْوَاهُمْ قَلْبًا، وَأَسَرُّهُمْ نَفْسًا، تَلُوْحُ نَضْرَةُ النَّعِيْمِ عَلَى وَجْهِهِ، وَكُنَّا إِذَا اشْتَدَّ بِنَا الخَوْفُ وَسَاءَتْ بِنَا الظُّنُوْنُ، وَضَاقَتْ بِنَا الأَرْضُ: أتَيْنَاهُ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ نَرَاهُ، وَنَسْمَعَ كَلَامَهُ، فَيَذْهَبُ عَنَّا ذلِكَ كُلُّهُ، وَيَنْقَلِبُ انْشِرَاحًا وَقُوَّةً وَيَقِيْنًا وَطُمَأْنِيْنَةً. فَسُبْحَانَ مَنْ أَشْهَدَ عِبَادَهُ جَنَّتَهُ قَبْلَ لِقَائِهِ، وَفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَابَهَا فِي دَارِ العَمَلِ، فَأَتَاهُمْ مِنْ رَوْحِهَا وَنَسِيْمِهَا وَطِيْبِهَا مَا اسْتَفْرَغَ قُوَاهُمْ لِطَلَبِهَا، والمُسَابَقَةِ إِلَيْهَا. اهـ.

وَأَمَّا تَصَانِيْفُهُ - رَحِمَهُ اللهُ - فَهِيَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَأَعْرَفُ مِنْ أَنْ تُنْكَرَ، سَارَتْ مَسِيْرَ الشَّمْسِ فِي الأَقْطَارِ، وَامْتَلأَتْ بِهَا البِلَادُ وَالأَمْصَارُ، قَدْ جَاوَزَتْ حَدَّ الكَثْرَةِ، فَلَا يُمْكنُ أَحَدٌ حَصْرَهَا، وَلَا يَتَّسِعُ هَذَا المَكَانُ لِعَدِّ المَعْرُوْفِ مِنْهَا، وَلَا ذِكْرِهَا.

وَلْنَذْكُرْ نَبْذَةً مِنْ أَسمَاءِ أَعْيَانِ المُصَنَّفَاتِ الكِبَارِ (٢) كِتَابُ "الإيْمَانِ"


(١) سُورَة الحَديد.
(٢) لَا يُمْكِنُ التَّعْلِيْقُ علَى مُصَنَّفَاتِ الإِمَامِ شَيْخَ الإِسْلَامِ هُنَا؛ لِكَثْرَتِهَا وَتَنَوُّعهَا، وَكَثر نُسَخِهَا، وَطُوْلِ الحَدِيْثِ عَنْهَا، وَضِيْقِ المَقَامِ، وَقَدْ جُمِعَتْ مُؤَلَّفَاتُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي عَصْرِهِ وَنَشَرَهَا =