للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَعَنِيَ بالحَدِيْثِ، فَنَسَخَ وَاسْتَنْسَخَ كَثِيْرًا مِنْ أَجْزَائِهِ، وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ


= كُلِّ عِلْقٍ نَفِيْسٍ عَنْ مَعَادِنِهِ وَمَكَامِنِهِ، بِاقْتِضَابهِ وَاخْتصَارِهِ، وَتَعْطِيْلِ جِيْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِ وَأَنْوَارِهِ، وَغَصْبِهِ إِعْلانِ فَضْلِهِ وَأَسْرَارِهِ، فَرُبَّ رَاغِبٍ عَنْ كَلِمَةٍ غَيْرُهُ مُتَهَالِكٌ عَلَيْهَا، وَزَاهِدٍ عَنْ نُكْتَةٍ غَيْرُهُ مَشْغُوْفٌ بِهَا، يُنْضِي الرِّكَابَ إِلَيْهَا. فَإِنْ أَجَبْتَنِيْ فَقَدْ بَرَرْتَنِي، جَعَلَكَ اللهُ مِنَ الأَبْرَارِ، وَإِنْ خَالَفْتَنِي فَقَدْ عَقَقْتَنِي وَاللهُ حَسِيْبُكَ فِي عُقْبَى الدَّارِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ المُخْتَصَرِ لِكِتَابٍ كَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى خَلْقٍ سَوِيٍّ، فَقَطَّعَ أَطْرَافَهُ. . .".
وقَالَ ابنُ عَبْدِالحَقِّ - مُبَرِّرًا اخْتِصَارَهُ -: "وَبَعْدُ فَإِنَّ الغَرَضَ مِنْ وَضْعِ الكُتُبِ إِنَّمَا هُوَ بَيَانُ عِلْمٍ مَقْصوْدٍ بِهِ؛ فِلِذلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْلَطَ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا يُبَيَّنُ فِي عِلْمٍ آخَرَ؛ لِئَلَّا يَتَشَعَّبَ الفَهْمُ، وَيَنْبُو عَنِ السَّمْعِ، وَيَطُوْلَ الكَلَامُ فِيْهِ فَيُؤَدِّيَ إِلَى الإِمْلَالِ فِي سَمَاعِهِ. وَقَدْ لَا يَنْهَضُ بِكِتَابِهِ لِطُوْلِهِ فيُعْجَزَ عَنْ تَحْصِيْلِهِ. وَهَذِهِ حَالُ الكِتَابِ المُسَمَّى بِـ "مُعْجَمِ البُلْدَانِ" فَإِنَّ الغَرَضَ المَقْصُوْدَ مِنْهُ هُوَ مَعْرِفَةُ أَسْمَاءَ الأَمَاكِنِ وَالبِقَاعِ الَّتِي عَلَى الرُّبعِ المَسْكُوْنِ مِنَ الأَرْضِ مِمَّا وَرَدَ بِهِ خَبَرٌ، أَوْ جَاءَ فِي شِعْرٍ، وَبَيَانَ جِهَتِهِ مِنَ الأَرْضِ، وَمَوْضِعِهِ مِنْ أَصْقَاعِهَا، فَمَا زَادَ عَلَى هذَا فَهْوَ فَضْلٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ … ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ أَقْبَلْ مِنْهُ شَرْطَهُ الَّذِي شَرَطَهُ، وَلَا الْتَزَمْتُ حَظْرَهُ الَّذِي حَظَرَهُ فِي اخْتِصَارِهِ وَتَغْيِيْرِهِ؛ فَإِنَّ دلِكَ شَرْطٌ لَا يَلْزَمُ، وَمِظَنَّةُ الفَائِدَةِ تُقَدَّمُ. . .".
يَقُولُ الفَقِيْرُ إِلَى الله تَعَالَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سُلَيْمَان - عَفَا اللهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كانَ يَنْبَغِي للشَّيْخِ عَبْدِ الحَقِّ - رَحِمَهُ اللهُ - أَنْ يُؤَلِّفَ كِتَابًا مُسْتَقِلًّا يَنْهَجُ فِيْهِ المَنْهَجَ الَّذِي يَرْتَضِيْهِ بَعِيْدًا عَنْ كِتَابِ يَاقُوْتٍ، وَيَنْقُلَ عَنْ يَاقُوتٍ وَعَنْ غَيْرِهِ، وَيُصَحِّحَ مَا رَأَى تَصْحِيْحَهُ مِن كِتَابِهِ، وَيَسْتَدْرِكَ مَا أَمْكَنَهُ اسْتِدْرَاكَهُ، وَلَا يُخَالِف بِذلِكَ يَاقُوْتًا، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ طَائِلَةِ سَخَطِهِ، وَلأنَّ مَا يَرَاهُ عَبْدُ الحَقِّ لَا يَرَاهُ غَيْرُهُ، وكِتَابُ "مُعْجَمِ البُلْدَانِ" كِتَابٌ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ طَالِبُ العِلْمِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتغْنَى عَنْهُ بِكِتَابِ عَبْدِ الحَقِّ. وَلَمْ يُرْزَقْ كِتَاب "مُعْجَمِ البُلْدَان" مِنَ العِنَايةِ بِإِخْرَاجِهِ مَا يَتَنَاسَبُ مَع مَكَانَتِهِ العِلْمِيَّةِ. واللهُ المُسْتَعَانُ.