عَلَى العِلْمِ وَأَهْلِهِ، فَمَا خَالَطْتُ لَعَّابًا قَطُّ، وَلَا عَاشَرْتُ إِلَّا أَمْثَالِي مِنْ طَلَبَةِ العِلْمِ. قَالَ: والغَالِبُ عَلى أَحْدَاثِ طَائِفَةِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ العِفَّةُ، وَعَلَى مَشَايِخِهُمْ الزَّهَادَةُ وَالنَّظَافَةُ. آخِرُ كَلَامِهِ.
وَالأَذِيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ لَهُ، وَطَلَبِهِمْ مِنْهُ هِجْرَانَ جَمَاعَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ، نَذْكُرُ بَعْضَ شَرْحِهَا، وَذلِك: أَنَّ أَصْحَابَنَا كَانُوا يَنْقِمُوْنَ عَلَى ابنِ عَقِيْلٍ تَرَدُّدُهُ إِلَى ابنِ الوَليْدِ، وَابنِ التَّبَّانِ شَيْخَيِ المُعْتَزِلَةِ، وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمَا فِي السِّرِّ عِلْمَ الكَلَامِ، وَيَظْهَرُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ نَوْعُ انْحِرَافٍ عَنِ السُّنَّةِ، وَتَأَوَّلَ لِبَعْضِ الصِّفَاتِ، وَلَمْ يَزَلْ فِيْهِ بَعْضُ ذلِكَ إِلَى أَنْ مَاتَ رَحِمَهُ اللهُ (١). ففِي سَنَةِ إِحْدَى وَستِّينَ اطَّلَعُوا لَهُ عَلَى كُتُبٍ فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ تَعْظِيْمِ المُعْتَزِلَةِ، وَالتَّرَحُّمُ عَلَى الحَلَّاجِ وَغَيْرِ ذلِكَ، وَوَقَفَ علَى ذلِكَ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُ، فَاشْتَدَّ ذلِكَ عَلَيْهِمْ، وَطَلَبُوا أَذَاهُ، فَاخْتَفَى، ثُمَّ الْتَجَأَ إِلَى دَارِ السُّلْطَانِ، وَلَمْ يَزَلْ أَمْرَهُ فِي تَخْبِيْطٍ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، فَحَضَرَ فِي أَوَّلِهَا إِلَى الدِّيْوَانِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الأَصْحَابِ، فَاصْطَلَحُوا، وَلَمْ يَحْضُرِ الشَّرِيْفُ أَبُو جَعْفَرٍ؛ لأَنَّهُ كَانَ عَاتِبًا عَلى وُلَاةِ الأَمْرِ بِسَبَبِ إِنْكَارِ مُنْكَرٍ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي تَرْجَمَتِهِ. فَمَضَى ابنُ عَقِيْلٍ إِلَى بَيْتِ الشَّرِيْفِ وَصَالَحَهُ، وَكَتَبَ خَطَّهُ: يَقُوْلُ عَلِيُّ بنُ عَقِيْلِ بنِ مُحَمَّدٍ: إِنِّي أبْرَأُ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ مَذَاهِبِ مُبْتَدِعَةِ الاعْتِزَالِ وَغَيْرِهِ، وَمِن صُحْبَةِ أَرْبَابِهِ، وَتَعْظِيْمِ أَصْحَابِهِ، وَالتَّرَحُّمِ علَى أَسْلَافِهِمْ، وَالتَّكَثُّرِ
(١) يُرَاجَعُ: مَا قَالَهُ عَنْهُ شَيْخُ الإِسْلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ - في دَرْءِ تَعَارُضِ العَقْلِ والنَّقْلِ (٨/ ٦٠، ٢٧٠، ٧/ ٢٦٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute