بَعْضِ المَسَاجِدِ، فَسَمِعُوْنِي أَقْرَأُ، فَلَمْ يَبْقَ فِي تِلْكَ الجَزِيْرَةِ أَحَدٌ إِلَّا جَاءَ إِلَيَّ وَقَالَ: عَلِّمْنِي القُرآنَ، فَحَصَلَ لِي مِن أُوْلئِكَ القَوْمِ شَيءٌ كَثِيْرٌ مِنَ المَالِ، قَالَ: ثُمَّ إِنِّي رَأَيتُ فِي ذلِكَ المَسْجِدِ أَوْرَاقًا مِنْ مُصحَفٍ، فَأَخَذْتُهَا أَقْرَأُ فِيْهَا فَقَالُوا لي: تُحْسِنُ تَكْتُبِ؟ فَقلْتُ: نَعَمْ، فقَالُوا: عَلِّمْنَا الخَطَّ، فَجَاءُوا بِأَوْلَادِهِمْ (١) مِنَ الصِّبْيَانِ وَالشَّبَابِ، فَكُنْتُ أُعَلِّمُهُمْ، فَحَصَلَ لِي أَيْضًا مِنْ ذلِكَ شَيءٌ كَثِيْرٌ، فَقَالُوا لِي بَعْدَ ذَلِكَ: عِنْدَنَا صَبِيَّةٌ يَتِيْمَةٌ، وَلَهَا شَيءٌ مِنَ الدُّنْيَا نُرِيْدُ أَنْ تتَزَوَّجَ بِهَا، فَامتَنَعْتُ، فَقَالُوا: لَا بُدَّ، وَأَلزَمُوْنِي، فَأَجَبْتُهُمْ إِلَى ذلِكَ، فَلَمَّا زَفُّوْهَا إِلَيَّ مَدَدْتُ عَيْنِي أَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَوَجَدْتُ ذلِكَ العِقْدُ بِعَيْنِهِ مُعَلَّقًا فِي عُنُقِهَا، فَمَا كَانَ لِي حِيْنَئِذٍ شُغْلٌ إِلَّا النَّظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا شَيْحُ، كَسَرْتَ قَلْبَ هَذِهِ اليَتِيْمَةِ مِنْ نَظَرِكَ إِلَى هَذَا العِقْدِ، وَلَمْ تَنْظُرْ إِلَيْهَا، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِمْ قِصَّةَ العِقْدِ فَصَاحُوا وَصَرَخُوا بِالتَّهْلِيْلِ وَالتَّكْبِيْرِ، حَتَّى بَلَغَ إِلَى جَمِيْعِ أَهْلِ الجَزِيْرَةِ، فَقُلْتُ: مَا بِكُمْ؟ فَقَالُوا: ذلِكَ الشَّيْخُ الَّذِي أَخَذَ مِنْكَ العِقْدَ أَبُو هَذِهِ الصَّبِيَّةِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: مَا وَجَدْتُ فِي الدُّنْيَا مُسْلِمًا إِلَّا هَذَا الَّذِيْ رَدَّ عَليَّ هَذَا العِقْدَ، وَكَانَ يَدْعُو وَيقُوْلُ: اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حَتَّى أُزَوِّجَهُ بِابْنَتِي، وَالآنَ قَدْ حَصَلَتْ، فَبَقِيَتُ مَعَهَا مُدَّةً، وَرُزِقْتُ مِنْهَا بِوَلَدَيْنِ، ثُمَّ إِنَّهَا مَاتَتْ، فَوَرِثْتُ العِقْدَ أَنَا وَوَلَدَايَ، ثُمَّ مَاتَ الوَلَدَانِ فَحَصَلَ العِقْدُ لِي، فَبِعْتُهُ بِمَائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَهَذَا المَالُ الَّذِي تَرَوْنَ مَعِي مِنْ بَقَايَا
(١) في (ط) الفقي: "بأولاهم" خَطَأُ طِبَاعَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute