وَبَرَعَ، وَنَاظَرَ، وَأَفْتَى، وَدَرَّسَ الفِقْهَ، وَالتَّفْسِيْرَ، وَوَعَظَ، وَاشْتَغَلَ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ فَقِيْهًا بَارِعًا، وَوَاعِظًا فَصِيْحًا، وَصَدْرًا مُعَظَّمًا، ذَا حُرْمَةٍ، وَحَشْمَةٍ، وَسُؤدَدٍ، وَرِئَاسَةٍ، وَوَجَاهَةٍ، وَجَلَالَةٍ، وَهَيْبَةٍ. وَلَمَّا وَرَدَ الفِرِنْجُ إِلَى "دِمَشْقَ" سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ أَرْسَلَهُ صَاحِبُ "دِمَشْقِ" إِلَى الخَلِيْفَةِ المُسْتَرْشِدِ بِـ "بَغْدَادَ" لِيَسْتَنْجِدَهُمْ عَلَى الفِرِنْجِ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَوَعَدَهُ بِالإِنْجَادِ. وَكَانَ لَهُ بِجَامِعِ "دِمَشْقَ" مَجْلِسٌ يَعْقِدُهُ لِلْوَعْظِ، وَقِيْلَ: إنَّهُ مُنِعَ مِنْهُ بِسَبَبِ الفِتَنِ.
قَالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ: سَمَعْتُ أَبَا الحَجَّاجِ يُوْسُفَ بنَ مُحَمَّدٍ بنِ مُقَلِّدٍ التَّنُوْخِيَّ الدِّمَشْقِيَّ مُذَاكَرَةً يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ الإِمَامَ عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ أَبِي الفَرَجِ الحَنْبَلِيَّ الدِّمَشْقِيَّ بِـ "دِمَشقَ" يُنْشِدُ عَلَى الكُرْسِيِّ فِي جَامِعِهَا - وَقَدْ طَابَ وَقْتُهُ -:
سَيِّدِيْ عَلِّلِ الفُؤَادَ العَلِيْلَا … وَاحْيِنِي قَبْلَ أَنْ تَرَانِي قَتِيْلَا
إِنْ تَكُنْ عَازِمًا عَلَى قَبْضِ (١) رُوْحِيْ … فَتَرَفَّقْ بِهَا قَلِيْلًا قَلِيْلًا
قَرَأْتُ بِخَطِّ حَفِيْدِهِ نَاصِحِ الدِّيْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ نَجْمٍ قَال: حَكَى لَنَا الفَصِيْحُ الحَنَفِيُّ قَالَ: احْتَجْتُ فَأَشَارَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ أَقُوْمَ فِي مَجْلِسِ شَرَفِ الإِسْلَامِ فَأَمْتَدِحُهُ بِقَصِيْدَةِ شِعْرٍ، قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَرَمَى عَلَى الشَّيْخُ مِنْدِيْلًا كَانَ فِي يَدِهِ، فَخَلَعَ عَلَيَّ جَمَاعَةٌ أَصْحَابِهِ ثِيَابًا كَثيْرَةً، وَنَثَرُوا عَلَيَّ، فَخَرَجْتُ مِنَ المَجْلِسِ وَمَعِي جِمَالٌ تَحْمِلُ الخِلَعَ، فَبَلَغَ ذلِكَ البُرْهَانُ
(١) في (ط) الفقي: "القبض".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute