للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فُلَانٌ، حَتَّى إِنَّهُ عُرِضَ لَهُ يَوْمًا حَدِيْثُ، وَهُوَ: "مَنْ فَاتَهُ حِزْبٌ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّاهُ قَبْلَ الزَّوَالِ كانَ كأَنَّهُ صَلَّى بِاللَّيْلِ" فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَعْنَى هَذَا؟ فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي اللُّغَةِ وَالفِقْهِ، أَمَّا اللُّغَةُ: فَإِنَّ العَرَبَ تَقُوْلُ: كَيْفَ كُنْتَ اللَّيْلَةَ، إِلَى وَقْتِ الزَّوَالِ. وَأَمَّا الفِقْهُ: فَإِنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ يُصَحِّحُ الصَّوْمَ بِنِيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَقَدْ جَعَلَ ذلِكَ الوَقْتَ فِي حُكْمِ اللَّيْلِ، فَأَعْجَبَهُ هَذَا القَوْلَ، وَكَانَ يَقُولُ بَيْنَ الجَمْعِ الكَثِيْرِ: مَا كُنْتُ أَدْري مَعْنَى هَذَا الحَدِيْثَ حَتَّى عَرَّفَنِيْهِ ابْنُ الجَوْزِيِّ، فَكُنْتُ أَسْتَحْيِيْ مِنَ الجَمَاعَةِ. قَالَ: وَجَعَلَ لِي مَجْلِسًا فِي دَارِهِ، كُلَّ جُمْعَةٍ يُطْلِقُهُ وَيُطْلِقُ العَوَامَّ فِي الحُضُوْرِ، وَكَانَ بَعْضَ الفُقَرَاءِ يَقْرَأُ القُرْآنَ فِي دَارِهِ كَثِيرًا، فَأَعْجَبَهُ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: أُرِيْدُ أَنْ أُزَوِّجَهُ ابْنَتِي، فَغَضِبَتْ الأُمُّ مِنْ ذلِكَ، وَكَانَ يَقْرَأُ عِنْدَهُ الحَدِيْثَ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ العَصْرِ، وَكَانَ يُكْثِرُ مُجَالَسَةَ العُلَمَاءِ وَالفُقَرَاءِ، وَكَانَتْ أَمْوَالُهُ مَبْذُوْلَةً لَهُمْ، وَلِتَدْبِيرِ الدَّوْلَةِ، فَكَانَتْ السَّنَةُ تَدُوْرُ عَلَيْه وَعَلَيْهِ دُيُوْنٌ، وَقَالَ: مَا وَجَبَتْ عَلَى زكَاةٍ قَطٌّ.

قُلْتُ: وَفِي ذلِكَ يَقُولُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ (١):

يَقُوْلُوْنَ يَحْيَى لَا زكَاةَ لِمَالِهِ … وَكيْفَ يُزَكِّي المَالَ مَنْ هُوَ بَاذِلُهْ

إِذَا دَارَ حَوْلٌ لَا يُرَى فِي بُيُوتِهِ … مِنَ المَالِ إِلَّا ذِكْرُهُ وَفَضَائِلُهْ

وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: وَكَانَ يَتَحَدَّثُ بِنِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَيَذْكُرُ فِي مَنْصِبِهِ شِدَّةَ فَقْرِهِ القَدِيْمِ، فَيَقُوْلُ: نَزَلْتُ يَوْمًا إِلَى دِجْلَةَ، وَلَيْسَ مَعِي رَغِيفٌ أَعْبُرُ بِه (٢). ثُمَّ


(١) عَنِ المُؤَلِّفِ فِي المَنْهَجِ الأَحْمَدِ (٣/ ١٨٤).
(٢) سَاقِط من (أ) و (ب) و (ج).