للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذَكَرَ طَرَفًا مِنْ حِلْمِهِ وَصَفْحِهِ وَعَفْوِهِ فَقَالَ: لَمَّا جَلَسَ فِي الدِّيْوَانِ أَوَّلَ وِزَارَتِهِ أحْضَرَ رَجُلًا مِنْ غِلْمَانِ الدِّيْوَانِ فَقَال: دَخَلْتُ يَوْمًا إِلَى هَذَا الدِّيْوَانِ، فَقَعَدْتُ فِي مَكَانٍ، فَجَاءَ هَذَا فَقَالَ: قُمْ فَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُكَ، فَأَقَامَنِي، فَأَكْرَمَهُ وَأَعْطَاهُ.

وَدَخَلَ عَلَيْهِ يَوْمًا تُرْكِيٌّ، فَقَالَ لِحَاجِبِه: أَمَا قُلْتُ لَكَ: اعْطِ هَذَا عِشْرِيْنَ دِيْنَارًا، وَكَذَا مِنَ الطَّعَامِ، وَقُلْ لَهُ: لَا يَحْضُرْ هَهُنَا؟ فَقَالَ: قَدْ أَعْطَيْنَاهُ، قَالَ عُدْ وَأَعْطِهِ، وَقُلْ لَهُ: لَا يَحْضُرْ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى الجَمَاعَةِ، وَقَالَ: لَا شَكَّ أَنَّكُمْ تَرْتَابُوْنَ بِسَبَبِ هَذَا؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: هَذَا كَانَ شُحْنَةً (١) فِي القُرَى، فَقُتِلَ قَتِيْلٌ قَرِيْبًا مِنْ قَرْيَتِنَا، فَأَخَذَ مَشَايخُ القُرَى وَأَخَذَنِي مَعَ الجَمَاعَةِ، وَأَمْشَانِي مَعَ الفَرَسِ، وَبَالَغَ فِي أَذَايَ وَأَوْثَقَنِي، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَيْئًا وَأَطْلَقَهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: أَيُّ شَيْءٍ مَعَكَ؟ قُلْتُ: مَا مَعِي شَيْئًا، فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ: اذْهَبْ. فَأَنَا لَا أُرِيْدُ اليَوْمَ أَذَاهُ، وَأُبْغِضُ رُؤْيَتَهُ، وَقَدْ سَاقَ مُصَنِّفُ سِيْرَةِ الوَزِيْرِ هَذِهِ الحِكَايَةَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ، وَذَكَرَ: أَنَّ الوَزِيْرَ قَالَ: نَقِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنِّي سَأَلْتُهُ فِي الطَّرِيْقِ أَنْ يُمْهِلَنِي حَسْبَمَا أُصَلِّي الفَرْضَ فَمَا أَجَابَنِي، وَضَرَبَنِي عَلَى رَأْسِي وَهُوَ مَكْشُوْفٌ عِدَّةَ مَقَارعَ فَكُنْتُ أَنْقِمُ عَلَيْهِ حَيْنَ رَأَيْتُهُ لأَجْلِ الصَّلَاةِ، لَا لِكَوْنِهِ قَبَضَ عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ كَانَ مَأْمُوْرًا.

وَذَكَرَ: أَنَّهُ اسْتَخْدَمَهُ فِي أَصْلَح مَعَايِشَ الأُمَرَاءِ، وَاسْتَحَلَّهُ مِنْ صِيَاحِهِ عَلَيْهِ وَقَوْلِهِ: أَخْرِجُوْهُ عَنِّي.

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: وَكَانَ بَعْضُ الأعَاجِمِ قَدْ شَارَكَهُ فِي زِرَاعَةٍ، فَآلَ


(١) الشُّحْنَةُ: كَبِيْرُ رِجَالِ الأمْنِ.