للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالعَمَلِ العَظِيْمِ، وَالوَرَعِ العَظِيْمِ، وَالزُّهْدِ العَظِيْمِ، مَعَ كَمَالِ الخَوْفِ وَالخَشْيَةِ، وَإِظْهَارِ الذُّلِّ، وَالحُزْنِ، وَالاِنْكِسَارِ وَالإِزْدِرَاءِ عَلَى النَّفْسِ، وَكِتْمَانِ الأَحْوَالِ وَالمَعَارِفِ، وَالمَحَبَّةِ وَالشَّوْقِ وَنَحْوِ ذلِكَ - فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَزْدَرِي المُتَأَخِّرِيْنَ، وَيَمْقَتُهُمْ، وَيَهْضِمُ حُقُوْقَهُمْ، فَالأَوْلَى تَنْزِيلُ النَّاسِ مَنَازِلَهُمْ، وَتَوْفِيَتُهُمْ حُقُوْقَهُمْ، وَمَعْرِفَةُ مَقَادِيْرِهِمْ، وَإِقَامَةُ مَعَاذِيْرِهِمْ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا.

وَلَمَّا كَانَ الشَّيْخُ أَبُو الفَرَجِ بْنُ الجَوْزِيِّ، عَظِيْمُ الخِبْرَةِ بِأَحْوَالِ السَّلَفِ، وَالصَّدْرِ الأَوَّلِ قَلَّ مَنْ كَانَ فِي زَمَانِهِ يُسَاوِيْهِ فِي مَعْرِفَةِ ذلِكَ، وَكَانَ لَهُ أَيْضًا حَظٌّ مِنْ ذَوْقِ أَحْوَالِهِمْ، وَقِسْطٌ مِنْ مُشَارَكَتِهِمْ فِي مَعَارِفِهِمْ، كَانَ لَا يَعْذُرُ المَشَايِخَ المُتَأَخِّرِيْنَ فِي طَرَائِقِهِمْ المُخَالَفَةِ لِطَرَائِقِ المُتَقَدِّمِيْنَ، وَيَشْتَدُّ إِنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّهُ صَنَّفَ كِتَابًا يَنْقِمُ فِيْهِ عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ أَشْيَاءَ كَثِيْرَةً (١). وَلكِنْ قَدْ قَلَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْ لَهُ الخَبْرَةُ التَّامَّةُ بِأَحْوَالِ الصَّدْرِ الأَوَّلِ، وَالتَّمْيِيْزُ بَيْنَ صَحِيحِ مَا يُذْكَرُ عَنْهُمْ مِنْ سَقِيْمِهِ. فَأَمَّا مَنْ لَهُ مُشَارَكَةٌ لَهُمْ فِي أَذْوَاقِهِمْ، فَهُوَ نَادِرٌ النَّادِرِ، وَإِنَّمَا يَلْهَجُ أَهْلُ هَذَا الزَّمَان بِأَحْوَالِ المُتَأَخِّرِيْنَ، وَلَا يُمَيِّزُوْنَ بَيْنَ مَا يَصِحُّ عَنْهُم مِنْ ذلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، فَصَارُوا يَخْبُطُوْنَ خَبْطَ عَشْوَاءَ فِي ظَلْمَاءَ، وَاللهُ المُسْتَعَانُ.

وَلِلْشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - كَلَامٌ حَسَنٌ فِي التَّوْحِيْدِ، وَالصِّفَاتِ، وَالقَدَرِ، وَفِي عُلُوْمِ المَعْرِفَةِ مُوَافِقٌ لِلْسُّنَّةِ، وَلَهُ كِتَابُ "الغُنْيَةِ


(١) مُؤلَّفَاتُ ابنِ الجَوْزِيَّ (١٧٨)، نَقْلًا عَنِ المُؤَلِّفِ فَحَسْبُ.